لعنة الإرهاب تلاحق العراقيين.. تشابه الأسماء يزج ببعضهم في السجن

مشاهد السجن لم تغب لحظة عن ذهنه، كذلك الخوف الذي يلاحقه كلما خرج من منزله، خاصة وأنه لم يتخيل يوماً أن لعنة تشابه الأسماء ستزج به خلف القضبان، وتحوله في لحظة من طالب جامعي إلى إرهابي.
عام كامل قضاه الشاب (ع.م) خلف قضبان السجن دون ذنب بعد اعتقاله نتيجة تشابه اسمه الثلاثي مع أحد المطلوبين بقضايا الإرهاب في العاصمة العراقية، بغداد.
الطالب الجامعي الشاب يقول إنه يخشى حتى اليوم ذكر اسمه، مستذكراً اعتقاله من قبل مفرزة أمنية عند أحد حواجز حدود محافظة بغداد عام 2017، ليتهم بعدها بقضايا إرهابية عدة ارتكبها الشخص المطلوب الذي ينتمي لتنظيم داعش الإرهابي.
وخلال عام السجن، لم تفلح كل محاولات ذويه ومراجعاتهم بإقناع القوات الأمنية بأن الأمر ليس سوى حظ سيئ، وتشابه أسماء في بلد يحمل الكثير من أبنائه أسماء متشابهة.

لكن بعد تدخل أحد الأشخاص المتنفذين لتحريك الدعوى، أطلق سراحه.
ورغم أنه أصبح حراً، إلا أنه يرى بأنه سيبقى طيلة حياته مطلوباً، ما لم يتم اعتقال الإرهابي الذي يحمل نفس الاسم والذي مازال طليقاً.
ومع مرور 8 سنوات على إعلان النصر على تنظيم داعش في العراق، لاتزال الكثير من تركة الواقع الأمني ومخلفات التنظيم الإرهابي تلاحق الكثير من العراقيين، وبالأخص آباء المناطق المحررة، ومنها لعنة تشابه الأسماء مع العناصر المنتمية للتنظيم.
عقدة المطار

في ظل غياب أي إحصائيات رسمية عن هذه المعضلة، يتحدث مسؤولون وشخصيات حقوقية واجتماعية عن زج الآلاف من العراقيين بعد العام 2003 خلف القضبان بسبب عقدة تشابه الأسماء.
وغالباً ما تحدث هذه المشكلة، في طوابير الانتظار في صالات المطار، حيث يتم استدعاء عناصر الأمن للتأكد.
وتكثر ظاهرة تشابه الأسماء في مناطق ما يعرف بحزام بغداد، وكذلك في المحافظات المحررة من تنظيم داعش الإرهابي، حيث تسببت طبيعة التسميات المتشابهة فيها في الزجّ بالمئات من أبنائها في السجن.
لعنة متواصلة

محمد جاسم ، شاب عراقي يعمل سائق مركبة نقل داخلي، دفعته مشكلة أزمة تشابه الأسماء إلى ترك مهنته والبحث عن مهنة أخرى لا تضعه أمام العراقيل الدائمة، فأكثر من مرة اعتقل عند دخوله إقليم كردستان، وأيضا عند دخوله إلى محافظات غرب وجنوب العراق.
يقول محمد إن مشكلته هي أن أغلب العراقيين يحملون الاسم نفسه، ومن كلا الطائفتين السنية والشيعية، موضحاً أنه وخلال عمله كثيراً ما شعر بتذمّر ركاب الحافلة نتيجة تأخرهم عند معابر المحافظات بسبب التدقيق الطويل معه.
وقال إن لعنته لا تقتصر على سفره داخل العراق وحسب، بل طاردته عندما سافر إلى خارج البلاد، حيث عانى من العرقلة والتأخير في بوابات المطار والسبب هو الاسم.
أعدام بتهمة تشابه الأسماء

رئيس مجلس النواب العراقي السابق محمد الحلبوسي، دعا خلال العام 2023 إلى حل أزمة تشابه الأسماء، وإيقاف تأثيراتها الفادحة على العوائل العراقية التي حرمت من أبنائها بسبب هذا الأمر.
المفارقة أن الحلبوسي نفسه قال في برنامج تلفزيوني على قناة محلية عراقية في نهاية ديسمبر من العام الماضي، كيف أن أحد الأشخاص من أهل الموصل حكم عليه بالإعدام نتيجة تشابه الأسماء، بعد أن أجبر على الاعتراف بالانتماء إلى التنظيمات الإرهابية رغم أن المطلوب من مواليد 1990، والمحكوم مواليد 1968.
وأوضح حينها الحلبوسي أنه تدخّل شخصياً لدى رئيس مجلس القضاء لإعادة محاكمته وإيقاف تنفيذ حكم الإعدام، الذي وقتها كان على وشك الحصول.
ورغم كل القرارات والتشديدات بالدعوة إلى اعتماد معايير ومتطلبات التأكد قبل الاعتقال، فإن كثيراً من حالات الاعتقال مستمرة في الاعتماد على الاسم الثلاثي فقط، في حين تؤكد وزارة الداخلية أنها تحركت بخطوات عدة للحدّ من هذه الظاهرة، مثل الاستناد إلى قرارات القضاء في اعتماد الأسماء الرباعية، واسم الأم عند تنفيذ أوامر الاعتقال.
وزارة الداخلية أشارت إلى أن اكتمال إصدار البطاقة الموحدة لجميع العراقيين، سيقلل حالات التزوير والتلاعب التي تحدث في بقية الوثائق، وهو ما يساعد أيضاً على الانتهاء من مشكلات تشابه الأسماء، إضافة إلى فتح نافذة حكومية من أجل تقديم طلب رسمي لإنهاء أي ملاحقة بحق الشخص جراء تشابه الأسماء.
كما أن الحكومة العراقية تقول إن إجراءاتها الأخيرة قد تنهي هذه المشكلة، إلا أن الكثير ممن عاشوا رعب تلك اللعنة، وقضوا أيامهم في السجن بسببها، يتساءلون عمن يعوضهم ضياع سنين عمرهم ولحظات الخوف التي عاشوها نتيجة عدم دقة الإجراءات.