عصابات تسرق العراقيين عبر تنويمهم مغناطيسيا .. المقاطع تثبت والداخلية تنفي
على طريقة أفلام هوليوود، ابتكر بعض العراقيين طرق جديدة للسرقة عبر التنويم المغناطيسي. أشخاص بسطاء يتحدثون بضع كلمات ويتعمدون لمس جسدك، بعدها تسلّم كل “مالك وحالك” لهم دون وعي.
حالات غريبة سجلها العشرات من العراقيين في محافظات مختلفة لمثل تلك السرقات، لكن القوات الأمنية العراقية تصر على إنكارها، مؤكدة بأنها عمليات احتيال وخفة يد لا أكثر.
لكن أركان علي، صاحب محل لبيع المواد الغذائية في منطقة الشعلة غربي العاصمة بغداد يقول العكس بعد سلبه كل ما يملك، مصراّ أنه نُقل إلى “عالم آخر” من قبل السارقين.
فما هي حقيقة هذه السرقات؟ ومن يقف وراء هذه العصابات وهل إجراءات الأجهزة الأمنية كفيلة بمنعها بعد تكرارها في أكثر من محافظة؟
كأنك في عالم اخر .. سرقوه بارادته
ثلاثة أشخاص يرتدون الزي العربي التقليدي، دخلوا على صاحب محل لبيع المواد الغذائية يدعى أركان علي في منطقة الشعلة غربي العاصمة بغداد.
نقاش بسيط، بعدها وضع أحدهم يده على كتف صاحب المحل ليخرج الأخير كل “الغلة”، وهو مبلغ ثلاثة ملايين دينار عراقي، ويسلمها لهم دون أي اعتراض أو رفض بعد أن طلبوها منهم.
يقول أركان إنه كان “في عالم آخر” هو يتحدث معهم، لكنّه مغيب عن الوعي، وشعر بأنه كالطفل وكل ما يطلبوه منه يقدمه لهم دون وعي.
أركان قال إنه كان يسمع عن العديد من هذه الحوادث دون أن يعلم أنه سيكون الضحية التالية، وسيخسر رأس مال محله بطريقة غريبة، دون أن يبذل فيها السارق أي مجهود.
تكرار الحوادث .. المقاطع تثبت والداخلية تنفي
الحديث عن استخدام التنويم المغناطيسي من قبل عصابات السرقة في مختلف المحافظات العراقية، بهدف سلب أموال أصحاب المحلات التجارية وشركات الصرافة والصيدليات، تصاعد بشكل لافت خلال السنوات الاخيرة.
كل هذا يحدث وسط تضارب رسمي في توصيف هذه الحالة، ودعوات لوضع حلول تمنع تلك العصابات من تنفيذ مخططاتها التي تثير القلق بين عامة الناس.
فمنذ سنوات قليلة بدأت تظهر على السطح قصص “غريبة” عن تلك السرقات، عبر مقاطع مرئية يبثها مواطنون يدّعون تعرضهم للسرقة باستخدام التنويم المغناطيسي، لكن الشكوك كانت تحيط بحقيقة الأمر، قبل أن تنتشر تلك المقاطع بشكل متكرر، وصولا إلى بيانات رسمية صدرت من وزارة الداخلية.
في عام 2022، أعلنت وزارة الداخلية أنّها ألقت القبض على متّهمين اثنين من جنسيات أجنبية لقيامهما بسرقة مبالغ مالية عن طريق تنويم الضحية مغناطيسياً في منطقة البياع، جنوبي العاصمة بغداد.
كما اعتقلت ثلاثة متّهمين بالدخول إلى أحد مكاتب الصيرفة في بغداد، وقيامهم بتنويم صاحب المكتب مغناطيسياً، وسرقة مبلغ مالي قدره 3 آلاف دولار أميركي.
لكن الوزارة عادت وأكدت في فيديو مصوّر في مايو 2022 بعدم وجود ما يعرف بالتنويم المغناطيسي، موضحة أن الأمر لا يتعدى سوى نصب واحتيال وخفة يد، مارسها أشخاص من خارج البلاد، وانتقلت لعراقيين.
العقوبة مرتبطة بالتوقيت
يوضح الخبير القانوني علي التميمي أنّ “القانون العراقي تطرّق إلى السرقة عبر الحيل”، مشيراً إلى أن التنويم المغناطيسي يعد أحد أنواع الحيل.
وقال إنه “في حال وقعت السرقة من هذا النوع في النهار تكون عقوبتها السجن لسبع سنوات وفق المادة 440 من قانون العقوبات، أمّا إذا أتت في الليل فإن عقوبتها تصل إلى 10 سنوات بحسب المادة 443/ خامسًا من القانون”.
اسباب ثلاثة خلف الانتشار
يبيّن عضو لجنة الأمن النيابي النائب وعد القدو في تصريحات صحفية أن “الأجهزة الأمنية رصدت بشكل فعلي العديد من جرائم السرقة المسماة بـ”التنويم المغناطيسي” وتم اعتقال بعض المتورطين فيها، بينهم من جنسيات أجنبية”.
وأكد النائب أنها “جرائم فتية وبرزت حديثاً في المجتمع العراقي، ومشابهة لحالات الابتزاز الإلكتروني من حيث توقيت الظهور”.
ويضيف القدو قائلاً: “هناك ٣ أسباب لظهور هكذا ظواهر في العراق، هي الانفتاح على مواقع التواصل الاجتماعي وغزارة ما تبثه، بالإضافة إلى السفر خارج البلاد واطلاع البعض على بعض خفايا تلك الجرائم، ناهيك عما متاح من علوم بات بإمكان استخدامها وتجربتها لغايات إجرامية”.
بعيدة عن الواقع
الباحثة الاجتماعية منى العامري، تبيّن أن “استخدام التنويم المغناطيسي في السرقات لا يمكن أن يتم بسهولة كما يدعي الناس، حيث يحتاج هذا النوع من العلاج إلى دراسة وممارسة، فضلاً عن أجواء مناسبة، مثل ضوء قليل وموافقة من الشخص المعني وهدوء وتركيز، لتبدأ مراحل العلاج بشكل تدريجي”.
وتوضح العامري في تصريحات سابقة لها أن “تلك الادعاءات من قبل العصابات يجب أن تكون محط اهتمام السلطات المختصة، ليُفتح تحقيق عن ماهيتها وحقيقتها ومنع إشاعة الرعب بين المواطنين”، لافتة إلى أن “بعض العصابات تنفذ حركات الخفة أو التمويه، فضلا عن التخدير باستخدام بعض الأدوية”.
تأكيد الأجهزة الأمنية والمختصين صعوبة حقيقة السرقة بالتنويم المغناطيسي في وضح النهار، تقابلها عشرات مقاطع الفيديو التي نشرها أصحابها قائلين إنهم خسروا أموالهم بشكل غريب لا يمكن توصيفه سوى بالتنويم المغناطيسي، مشيرين إلى أن تلك السرقات تحدث في باقي دول العالم، فلماذا يستغرب حدوثها في العراق، رغم اثباتها بمقاطع الفيديو.
التنويم المغناطيسي
يعتبر التنويم المغناطيسي، نوعًا من العلاج ينطوي على وضع المعالج في حالة تشبه الغيبوبة، بهدف تعزيز التركيز. وفي هذه الحالة، يمكن للشخص أن يكون أكثر استجابة للاقتراحات.
ويهدف العلاج بالتنويم المغناطيسي لمساعدة المريض على التحكم بشكل أفضل في حالة الوعي لديه، إضافة إلى بعض الجوانب السلبية والتي تتمثل بإمكانية خلق ذكريات زائفة.