سقوط سياسي بارز يكشف فساداً مستشرياً في باراغواي

صوفيا ألفاريز جورادو “قصص محظورة

بمشاركة من: فينياس روكرت “قصص محظورة” و(مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد) OCCRP وRevista Piauí

سقوط سياسي بارز يكشف

فساداً مستشرياً في باراغواي

في آب/أغسطس 2024، قُتل النائب في البرلمان ورجل الأعمال الباراغوايي يولاليو “لالو” غوميز باتيستا في مداهمة نفذتها الشرطة لمنزله بمدينة بيدرو خوان كاباليرو الحدودية مع البرازيل، ضمن عملية استهدفت شبكة غسل أموال وتهريب مخدرات، مرتبطة بتاجر المخدرات البرازيلي الشهير جارفيس تشيمينيس بافاو.

وُجهت إلى غوميز (67 عاماً) ونجله ألكسندر تهمٌ تتعلق بغسل الأموال والانتماء إلى منظمة إجرامية، وذلك قبل مقتله في تبادل لإطلاق النار، وفقاً لما زعمته الشرطة. لكن محامي العائلة يقول إن الشرطة “أعدمته”.

ما وراء الستار: شبكة نفوذ عميقة

بعد أشهر من وفاة غوميز، كشفت وثائق داخلية ورسائل مُسربة استرجعت من هاتفه ونشرت في وسائل إعلام محلية، وحصلت عليها “قصص محظورة” (Forbidden Stories) وشركاؤها، أن نفوذه امتد إلى القضاء والنيابة والجيش، وأنه شارك في صفقات مشبوهة مع نواب ومدعين وقضاة.

ورغم وجود أدلة تشير إلى أن كثيرين منهم لجأوا إلى غوميز طلباً للمساعدة، في حالات كان بعضها ينطوي على مخالفات قانونية، فإن النيابة العامة الباراغوايية لم تُحرز أي تقدّم في التحقيق الذي كانت قد باشرت به.

واحدة من تلك الرسائل أظهرت تنسيقه مع الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسنارو باسم فرقة عسكرية أثناء حملته الانتخابية عام 2023، لإجراء مقابلة مع قناة برازيلية محسوبة على بولسونارو.

وفي رسالة أخرى، طلبت منه مدعية عامة مساعدتها في “تحسين صورتها”، بعد اعتقال زوجها بتهم غسل أموال.

رغم ذلك، لم تفتح النيابة تحقيقاً رسمياً إلا عام 2023، متجاهلة تحذيرات تلقتها منذ 2017 من BBVA ووحدة الاستخبارات المالية في باراغواي، عن تحويلات مالية مشبوهة بين غوميز وشركات مرتبطة بزعيم المخدرات لويز كارلوس دا روشا المعروف بـ “كابيسا برانكا”.

في 2017، أبلغت BBVA عن معاملات مالية بين غوميز وابنه وشركة يُعتقد أنها واجهة لـ “كابيسا برانكا”. تورطت في تسهيل هذه العمليات موظفة البنك كلوديا كويفاس، التي وصفت لاحقاً بـ “العقل المالي المدبر ” لغوميز.

ورغم تحذيرات البنك والبلاغات الجنائية، لم تتم إدانة كويفاس إلا في أواخر 2024، بعد وفاة غوميز، حيث حُكم عليها بالسجن خمس سنوات بتهم الاحتيال المالي.

في 2021، كشف تقرير سري أن نحو 4 ملايين دولار مرت عبر حسابات غوميز في الفترة بين 2017 و2020، وأعربت السلطات المالية عن قلقها.

وقبيل مقتل المدعي العام الباراغوايي لمكافحة المخدرات مارسيلو بيتشي في آيار/مايو 2022، طلبت النيابة معلومات من البرازيل عن غوميز وابنه، لكن لم يُفتح تحقيق رسمي حتى 2023.

نفوذ سياسي وعلاقات مريبة

غوميز، الذي بدأ حياته بائع آيس كريم (مثلجات) في طفولته، أصبح شخصية نافذة في منطقة أمامباي، حيث يمتلك مزارع ماشية وشركات، وكان مقرباً من رؤساء باراغواي السابق والحالي.

إيولاليو “لالو” غوميز باتيستا (يسار، أعلى)، يقف مع الرئيس السابق هوراسيو كارتيس (يسار، أسفل) ويعانق الرئيس سانتياغو بينيا (يمين). (المصدر: ABC Color).

وشغل أفراد عائلته مناصب مهمة في بعض أكثر الدوائر الحكومية نفوذاً في باراغواي. شقيقته تعمل في وحدة مكافحة المخدرات التابعة لمكتب المدعي العام، وابن عمه مديراً عاما للأمانة الوطنية لمكافحة المخدرات (SENAD). وتعمل ابنة أخته في وزارة العدل ومفوضة في الكونغرس.

في عام 2020، أطلق ملثمون النار على لورينسو “ليو” فيراس، مالك ومدير موقع Porã News الإخباري المتخصص في تغطية أخبار الجريمة المنظمة، فأردوه قتيلاً بينما كان يتناول العشاء مع عائلته في منزله.

وبحسب محادثات مسربة حصلت عليها ABC Color وÚltima Hora، عمل غوميز مع قاضية لتأمين الإفراج عن فالدمر بيريرا ريفاس، المشتبه به في حادثة اغتيال فيراس.

وفي رسالة أرسلتها القاضية كارمن سيلفا لغوميز في أيلول/سبتمبر 2021، قالت إنها لا تريد أن يحاكم بيريرا في أسونسيون: “سيدفع المدعي العام مارسيلو بيتشي للحكم عليه بالسجن 20 عاماً”. وأضافت: “إذا طلبت مني ألا أحضره (إلى سجن معين)، فلن أفعل. أنت المسؤول”.

وقبل دخوله رسمياً إلى السياسة، كان غوميز شخصية بارزة وذات نفوذ. وفقاً لمجلة Piauí، وفي عام 2019، عندما داهم رئيس الشرطة الوطنية تاجر المخدرات أنطونيو جواكيم دا موتا، طلب غوميز إقالته.

وأرسل غوميز رسالة نصية لـ ” دا موتا”: “لا أحد يتلاعب معنا”، وبعد أقل من شهر، تم استبدال كل من رئيس الشرطة ونائب رئيس التحقيقات.

في أوائل عام 2024، توجهت “فوربيدن ستوريز” إلى بيدرو خوان كاباليرو، معقل غوميز، وبدأت في التحدث مع الصحفيين المحليين.

قال أحدهم: “هناك حديث عن أن ثروته لا تأتي من تربية الماشية، بل من تهريب المخدرات”.

تتبعت “فوربيدن ستوريز” وشركاؤها علاقات غوميز المزعومة بالجريمة المنظمة، لكن أثناء التحقيق، وتحديدا في 19 آب/أغسطس، قُتل على يد الشرطة الباراغوايية.

لغز المداهمة والموت

أمر القاضي أوسمار ليغال بمداهمة منزل غوميز على الرغم من أنه كان يتمتع بالحصانة البرلمانية، ولا تزال تفاصيل العملية غامضة؛ فهناك تضارب حول مشاركة إدارة مكافحة المخدرات الأميركية والشرطة البرازيلية في العملية.

القاضي أوسمار ليغال (يمين) في اتصال فيديو مع ألكسندر رودريغيز غوميز (على الشاشة). (المصدر: بإذن من أوسمار ليغال).

وقالت السلطات إن إطلاق النار بدأ من غرفة نوم غوميز، فيما أصر محامي العائلة على أنه لم يتم إطلاق النار أبداً. وبعد مقتله، سلّم نجله نفسه، لكنه اشتكى من محاولة “اختطاف” خلال المداهمة.

وفي كانون الثاني/ديسمبر 2024، اتُّهم الابن رسمياً بالانتماء لشبكة تهريب مخدرات نشطة في الفترة بين 2019 و2020.

فساد متغلغل… وعدالة متأخرة

صور أقمار صناعية لعقارات عدة حققت فيها الشرطة الباراغوايية في عام 2025، تابعة لغوميز وعائلته أو أشخاص يُزعم أنهم واجهة له، في محيط بيدرو خوان كاباليرو، أمامباي. (المصدر: Google Earth).

وفي 2025، نشرت الشرطة صور أقمار صناعية لعقارات تابعة لغوميز وعائلته كجزء من تحقيقات متأخرة.

وقال خوان مارتينز، المدير التنفيذي لمعهد الدراسات المقارنة في العلوم الجنائية والاجتماعية في باراغواي، لـ “فوربيدن ستوريز”: “عندما تولى لالو منصبه، قلت في مقابلة صعبة للغاية إن حزب PCC دخل البرلمان”.

وأضاف: “ليس الأمر أن الجماعة الإجرامية تستميل السلطات، بل إن الجماعة الإجرامية نفسها تدخل السياسة”.

عندما سُئل القاضي ليغال عن سبب عدم بدء تحقيق رسمي في قضية غوميز حتى عام 2023، قال: “لا أريد استهداف أي شخص لأن الفساد مشكلة عالمية، لكن بالنسبة لي، المحادثات المسربة تقول كل شيء. كان (غوميز) يعرف كيف يحمي نفسه”.

إلى جانب التواطؤ المحتمل بين بعض قطاعات الشرطة والنيابة العامة والقضاء، أشار ليغال -الذي يضطر الآن إلى التنقل برفقة حراس شخصيين وسيارة مصفحة بسبب عمله- إلى أن البعض ربما تصرفوا لحماية أنفسهم. ويضيف: “في كثير من الأحيان، فضل الناس البقاء بعيداً عن الأمر. وأولئك الذين فضلوا الرشوة، حسناً، أخذوها، وهذا واضح”.