” الشلل ” يصيب سوق العقار في العراق ، مالقصة ؟

أصاب الشلل سوق العقارات في العراق، بعد قرار البنك المركزي إلزام البائع والمشتري بإيداع أموال عملية الشراء في أحد المصارف الحكومية أو المجازة كشرط أساسي لإتمام البيع.

واشترط البنك المركزي إيداع الأموال في أي عملية بيع تزيد قيمتها عن 100 مليون دينار عراقي، نحو 66 ألف دولار أميركي، وأوضح أن هذه الخطوة ترمي إلى السيطرة على غسيل الأموال.

لكن المواطنين وأصحاب مكاتب العقارات وجدوا في قرار البنك المركزي “إعاقة جديدة”، وقال البعض إنها لن تضر الفاسدين أو تحجم أعمالهم، نظرا لامتلاك بعضهم مصارف خاصة أو يساهمون في أخرى.

وتسبب القرار في حالة من الركود التام في أسواق العقارات ترقبا لنتائج الوضع الجديد الذي فرضه البنك المركزي، وسط تحذيرات من تفشي البيروقراطية والروتين والإجراءات الرتيبة التي تعرقل الاقتصاد.

فماذا نعرف عن “شلل العقارات” العراقي؟

سوق العقار مشلول

أسفر القرار الرسمي في العراق عن حالة من الحيرة والقلق لدى البائع والمشتري، الأمر الذي يرويه سلوان صاحب مكتب عقارات في العاصمة بغداد، مؤكدا أن قرار البنك المركزي بعثر أوراق السوق.

ويتابع سلوان أن “السوق أصيب بالشلل بين ليلة وضحاها، مصدر رزقنا توقف بشكل تام، وأغلب الناس عزفوا عن عرض منازلهم للبيع إلا في حالة الاضطرار والظروف القهرية”.

ويوضح أن “المشترين كذلك عطلوا خطط الشراء، خوفا من تبعات القرار عليهم”.

يجلس محمود الذي أراد بيع منزله لغرض السفر مع ابنه لإجراء عملية جراحية له، ويعلق قائلا “لماذا تتفنن الحكومة في أذية المواطنة بحجة محاربة الفساد، خاصة أننا نعلم أن الفاسدين أقرب إليهم من أنفسهم ومعروفون لدى الجميع”.

ويقول محمود إن فرصته الوحيدة في علاج ابنه تكمن في بيع منزله الكبير وشراء منزل أصغر مساحة، وتوفير الأموال للعلاج، مضيفا “تركت الحكومة نور زهير يهرب بالمليارات ولم تحاسب المصارف على مزاد العملة، ولا تحقق في خروج ملايين الدولارات، لكنها تضيق الخناق على المواطن فقط”.

تفاصيل القرار ..

أصدر البنك المركزي العراقي في 15 يناير، قرارا جديدا يقضي بتخفيض الحدّ الأدنى لقيمة بيع العقارات، إذ تم تحديد القيمة الجديدة بـ100 مليون دينار عراقي، بعد أن كانت 500 مليون دينار.

وبموجب التعليمات الجديدة، فإن بيع هذه العقارات سيتم فقط عبر المصارف العراقية المجازة، وأن هذا الإجراء يأتي ضمن ضوابط العناية الواجبة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب الخاصة بدوائر التسجيل العقاري.

قرار البنك المركزي

وفي مايو من العام 2024، أعلن البنك المركزي العراقي عن إجراءات للحد من غسيل الأموال في قطاع العقارات، وحدد سقفا لبيع وشراء العقارات عبر القطاع المصرفي بقيمة 500 مليون دينار، وقال إنه يهدف إلى تسهيل الرقابة على الأموال المتداولة وتحديد ملكية العقارات.

وقال مدير العام لمكافحة غسيل الأموال في البنك المركزي حسين علي في تصريحات صحافية إن “هذه الإجراءات تهدف إلى تسريع التحقيقات المتعلقة بغسيل الأموال، مع إشراف دائرة التسجيل العقاري على مراقبة العمليات المشبوهة، وتوثيق أي حالات غسيل أموال لتسهيل متابعة الجهات المعنية”.

ورغم كل تطمينات المصرف المركزي وتوضيحه أن “القرار يهدف إلى مكافحة غسيل الأموال”، فإن القرار تسبب بجدل واسع بين الأوساط الشعبية والاقتصادية التي رأت فيه بأنه يضيف روتينا معقدا يثقل كاهل المواطن ويزيد من تكلفة المعاملات العقارية التي يعاني منها العراقيون أصلا.

باب للجبياية والبيروقراطية

يعتبر متخصصون أن قرار المركزي العراقي سيفتح باب جديد ل “جباية الأموال” على العراقيين من خلال المصارف الرسمية والمجازة ، كما أنه سيزيد انتشار البيروقراطية.

يقول الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي إن “قرار المركزي يلزم البائعين والمشترين بفتح حساب لدى المصارف والتأكد من مصادر أموال المشتري ثم منح الموافقة العقارية لإتمام عملية الشراء”.

ويتابع المرسومي أن “هذا الإجراء سيؤدي إلى انخفاض الطلب على العقارات وزيادة تكلفة المعاملات العقارية وتأخيرها”، مشيرا إلى حالة الركود التي أصابت السوق العراقي.

الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني يشرح  أن “هناك مشاكل كثيرة ستواجه القرار خاصة في فتح الحسابات بالمصارف الخاصة، والمتضرر هو المواطن، فهذه المصارف لاتقبل الفئات الصغيرة من الأموال ما بين 250 إلى 5 آلاف، وتقبل فقط فئة العملات الكبيرة ما بين 25 ألفا إلى 50 ألفا”.

وبحسب المشهداني، فإن ذلك “سيجعل المواطن في مأزق، بالإضافة إلى أن أغلب المصارف الأهلية اليوم لا تقبل طلبات المواطنين بسحب أموالهم، وتطالبهم بتحديد موعد وتقديم طلب مسبق، وفي هذه الحالة إذا ما تراجع المواطن عن قرار الشراء فإنه يدخل في متاهة سحب أمواله من المصرف، هذا فضلا عن العمولات المصرفية والتي قد تصل إلى 1%”.

وبسبب الضجة التي أثيرت حول القرار وتسببه بزيادة تكلفة المعاملات، قرر مصرف الرافدين الحكومي إعفاء كاملا من العمولات الخاصة بإيداع الأموال الناتجة عن بيع العقار.

خطوة لأستقرار سوق العقار أم كساده

يرى سياسيون أن القرار مهم لاستقرار السياسة المالية وخفض أسعار العقارات التي وصلت إلى مستويات “خيالية”، ويصف عضو تحالف النصر، سلام الزبيدي،  قرار البنك المركزي بـ”الممتاز”.

ويضيف الزبيدي أن “أسعار العقارات أصبحت خيالية ومخيفة بسبب عمليات غسيل الأموال، فعمليات شراء العقارات في أغلبها تتم من قبل شخصيات متنفذة لديهم المال، وكثير منهم يتمتع بالسلطة ويتاجر بأسعار العقارات عبر شرائها بأسعار ضخمة ومن ثم رفع أسعار العقارات”.

ويشير الزبيدي إلى أن القرار الأخير سيساهم في خفض أسعار العقارات ويسمح للطبقات المتوسطة والموظفين بشراء المنازل إلى جانب السيطرة بشكل كامل على عمليات غسيل الأموال في شراء العقارات.

ويرى الزبيدي أن عمليات غسيل الأموال في الأساس تحدث في سوق العقارات، موضحا أن قرار البنك يأتي ضمن توجه الحكومة في السيطرة على التعاملات لإيقاف عمليات الفساد في المراجعات الحكومية وتقليل البيروقراطية.

الخبير القانوني غيث الشمري يوضح أن القرار سيتسبب في كساد كبير و”شلل” في القطاع العقاري الذي يعاني في الأساسي بسبب ارتفاع الأسعار بشدة، مشيرا إلى أن المصارف هي الطرف المستفيد الوحيد.