التعذيب في السجون .. انتهاك دائم وثقافة موروثة في العراق

لجان برلمانية ومنظمات حقوقية تؤكد وجوده والحكومة تستقبل الشكاوي

8 سنوات قضاها منتصر جابر -اسم مستعار- دون ذنب أو تهمة في أحد السجون العراقية، وما إن أطلق سراحه حتى فر هاربا إلى خارج البلاد للتخلص من وصمة ما مر به والخوف من عيشها مجددا.

يعمل جابر حالياً سائق سيارة أجرة في تركيا، وينظر يوميا إلى آثار التعذيب التي رسمت على أغلب أجزاء جسمه خلال فترة السجن، التي تذكره في كل يوم بضرورة رفض فكرة العودة إلى أرض الوطن.

مشكلة تعرض السجناء العراقيين للتعذيب بعد تغيير النظام السابق في 2003، تمثّل أحد أبرز الانتهاكات المسجّلة في ملف حقوق الإنسان بالعراق.

منظمات دولية ومحلية وثقت حدوث عمليات تعذيب ووفيات جراء هذه الممارسات، فيما سجلت تحركا للحكومة العراقية في محاولة معالجة هذه التركة الثقيلة لتحسين صورتها في ملف حقوق الإنسان، إلا أن هذه الانتهاكات مازالت متواصلة حتى اليوم.

وكشف تقرير للمركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب صدر في نهاية العام 2022، وفاة نحو 50 معتقلاً نتيجة “عمليات التعذيب والإهمال الطبي في السجون التابعة للحكومة”.

كذلك بيّن تقرير للأمم المتحدة صدر في عام 2021 عن تعرّض نصف المعتقلين للتعذيب أثناء الاستجواب بهدف انتزاع الاعتراف منهم.

فلماذا الشكاوى بوجود عمليات تعذيب في السجون آخذة في الارتفاع؟ وما القرارات التي اتخذتها حكومة محمد شيّاع السوداني؟ وما تبريرات لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب العراقي؟

8 سنوات من التعذيب

يقول منتصر جابر  ، إنه اعتقل عام 2007 بتهمة الخطف، وخلال 3 سنوات تعرّض لشتى أنواع التعذيب ولم يتم عرضه للمحاكمة.

حكم عليه بالسجن مدى الحياة خلال فترة الاحتقان الطائفي، وفي العام 2015 قضت محكمة الاستئناف بإطلاق سراحه لعدم وجود أي دليل ضده، ورغم ذلك لم يتم الإفراج عنه إلا بعد عدة أشهر وبعد دفع مبالغ مالية لتسريع العملية.

ويشير منتصر إلى أن 8 سنوات من عمره ضاعت دون سبب، مخلفة آثاراً نفسية وجسدية لن ينساها، من الضرب المستمر والإهانة والتنكيل والشتائم التي كانت جزءاً يومياً من حياته وحياة سجناء معه، لن يستطيع نسيانها.

يؤكد منتصر أن هذا التعذيب قضى على كل حنين لديه بالعودة إلى العراق.

نصف السجناء يتعرضون للتعيب

كشف تقرير سابق للأمم المتحدة في عام 2021 عن تعرّض نصف المعتقلين للتعذيب أثناء الاستجواب بهدف انتزاع الاعتراف منهم.

وغطى التقرير الفترة من 1 يوليو 2019 إلى 30 أبريل 2021، ويستند إلى مقابلات أُجريت مع 235 معتقلاً، إلى جانب موظفين في السجون وقضاة ومحامين وأهالي معتقلين.

ووفق التقرير فإن نحو نصف المعتقلين قالوا إنهم تعرضوا للتعذيب أثناء الاستجواب بهدف انتزاع الاعترافات.

وأوضح التقرير أن أساليب الاعتداء تشمل “الضرب المبرح، والصعق بالكهرباء، والوضعيات المجهدة، والخنق”، ووردت “أنباء عن وقوع أعمال عنف جنسي”، وأشار بعض المحتجزين إلى معاملة “لا يستطيعون التحدث عنها”.

ليست التقارير الدولية هي الوحيدة التي أشارت لعمليات التعذيب في السجون، بل إن منظمات محلية أشارت إلى حصول ذلك أيضا.

المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب كشف في تقرير نهاية العام 2022، وفاة نحو 50 معتقلاً نتيجة “عمليات التعذيب والإهمال الطبي في السجون التابعة للحكومة”.

وأضاف التقرير أنه بين يناير وأغسطس 2022، توفي 49 معتقلاً، 39 منهم في سجن الناصرية المركزي، و8 في سجن التاجي (شمالي بغداد)، بالإضافة إلى توثيق حالة انتحار في مركز شرطة الموصل في محافظة نينوى (شمال)، ووفاة واحدة في مركز تابع لمكافحة الجريمة في العاصمة بغداد.

كذلك، كشف المركز عن “احتجاز السلطات الحكومية عشرات الآلاف من المعتقلين في ظروف غير إنسانية، بوضعهم في زنازين مكتظة وغير مهيأة صحياً لسنوات عدّة بدوافع انتقامية وطائفية”، موضحاً أنّ “الظروف الصحية معدومة في معتقلاتهم، وأنّها ذات درجة حرارة ورطوبة عاليتَين، ما يؤثّر على صحتهم بشكل مباشر”.

شكاوى رسمية وإجراءات على الورق

الشكاوى الكثيرة والتقارير الدولية حول وجود عمليات التعذيب في السجون العراقية، دفعت رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني في العام 2023، بحثّ ضحايا عمليات التعذيب في السجون والمراكز الأمنية إلى رفع شكاوى معززة بالأدلة.

وخصصت حكومة السوداني بريداً إلكترونياً لاستلام الشكاوى.

وبحسب لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب العراقي، فإن اللجنة استلمت خلال العام 2023 فقط 5 آلاف شكوى تفيد بوقوع انتهاكات وعمليات تعذيب لمساجين.

وفي أبريل من العام الماضي، أعلن رئيس اللجنة ومستشار رئيس الوزراء العراقي لحقوق الإنسان، زيدان خلف، أن مكتبه تلقى 3 آلاف شكوى تفيد بوقوع عمليات تعذيب بحق سجناء، وتم التحقيق بشأنها من قبل محققين وإحالتها للقضاء للبتّ فيها.

وقال زيدان في تصريحات صحافية إنه تلقى أكثر من 3 آلاف شكوى بادعاءات عن حالات التعذيب، و”كانت موثقة بحسب تقارير الطب العدلي، ونحن بدورنا أحلناها إلى جهاز الادعاء العام، والجهاز أرسل أكثر من 1500 شكوى إلى محكمة تحقيق حقوق الإنسان من أجل إعادة النظر بها في حالة وجود أي أدلة جديدة حسب المادة 270 من قانون أصول المحاكمات الجزائية” بحسب تصريح المسؤول.

وأشار خلف إلى ترؤسه لجنة في بداية العام للتحقيق بوفاة معتقل في أحد سجون الحلة والتحقيق فيها، حيث أعلنت النتائج بناء على توجيهات رئيس الوزراء خلال 72 ساعة وتم إحالة خمسة ضباط للقضاء.

البرلمان يؤكد والعدل تنفي

لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، أكدّت وجود عمليات تعذيب في السجون العراقية تمارس بحق المعتقلين من أجل انتزاع اعترافات غير حقيقية.

وقال رئيس اللجنة أرشد الصالحي في بيان إن “هناك الكثير من عمليات التعذيب تحصل على بعض المعتقلين لدى الجهات الأمنية، وهناك شكاوى كثيرة تصل إلينا بهذا الخصوص”، مبيّنا أنه “كان لنا تحرك لوقف تلك العمليات ومحاسبة أي شخص وجهة متورطة”.

وبشأن وسائل التعذيب التي تمارس داخل السجون العراقية، أوضح رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية أن “الوسائل كثيرة وهي مرفوضة ولا يمكن القبول بها، وهناك متابعة لنا مع المسؤولين لإيقافها وستكون لنا زيارات دورية لكل السجون لكشف هكذا حالات والتحقيق فيها”.

إلا أن وزارة العدل نفت وقوع عمليات تعذيب في سجونها.

وأشارت في بيان سابق لها إلى أنه “في الوقت الذي تثمّن فيه وزارة العدل كل الجهود المبذولة في تحقيق المعايير الدولية لحماية حقوق الإنسان وعلى جميع الأصعدة وخصوصاً في السجون، تتابع الوزارة ببالغ الأهمية في الادعاءات والملاحظات بكل ما يخص السجون التابعة لوزارة العدل”.

وأكدت على عدم وجود حالات التعذيب في السجون التابعة للأقسام الإصلاحية، و”هي اتخذت وستتخذ إجراءات صارمة بحق كل من تثبت إدانته بخرق مبادئ حقوق الإنسان في الدوائر الإصلاحية”.

ودعت وزارة العدل لجنة حقوق الإنسان النيابية والمفوضية العليا لحقوق الإنسان لزيارة سجن الناصرية للوقوف على صحة هذه الادعاءات والاطلاع على الإجراءات التي اتخذتها وزارة العدل لردع كل الانتهاكات.

50% من السجون تعاني الأكتظاظ

وكان وزير العدل خالد شواني قد أعلن أن السجون العراقية تعاني من اكتظاظ تصل نسبته إلى 300% من الطاقة الاستيعابية لتلك السجون.

فيما خلص تقرير أصدرته “شبكة العدالة للسجناء” إلى أن العراق يعاني من تشتت التبعية المرجعية لإدارة السجون ما بين وزارة العدل والداخلية والجهات العسكرية وإقليم كردستان.

الشبكة، وهي منظمة مجتمع مدني عراقية، أصدرت تقريرها بالاعتماد على زيارات ميدانية لـ16 سجناً تابعاً لوزارة العدل، و3 مواقع تابعة لوزارة الداخلية، بالإضافة إلى 13 موقعاً تابعاً لحكومة إقليم كردستان.

ووجدت أن 50% من تلك السجون تعاني من الاكتظاظ، و40% غير قادرة على توفير المساحة السجنية، فيما لا تتوفر أي من الخدمات الصحية في سجون النساء أو الأطفال المصاحبين للأمهات.

مشاكل عديدة رصدتها الشبكة خلال تقريرها، منها أنه لا يتم فصل الفئات في 72% من السجون، كما أن 56% من أماكن الاحتجاز غير صالحة، و49% من الحمامات غير نظيفة ولا تصلح للاستخدام، فيما لا تتمكن 53% منها من توفير الصابون، وسجلت في 30% منها اعترافات إساءة معاملة.

ويبلغ عدد السجون في عموم البلاد 30 سجنا، تضم نحو أكثر من 61 ألف سجين بين محكوم وموقوف وفق آخر إحصائيات وزارة العدل العراقية.

ومن بين السجناء 1500 امرأة، إضافة إلى سجن آخر فيدرالي يعرف بسجن “سوسة” في محافظة السليمانية، ضمن إقليم كردستان العراق، المرتبط بوزارة العدل الاتحادية.

ثقافة موروثة .. التعذيب يحصل قبل السجن

بالمقابل، يقول الناشط بحقوق الإنسان، كامل أمين، وهو المتحدث الرسمي السابق لوزارة العدل، لبلينكس إن أغلب ما يوثق من حالات تعذيب هو في مراحل التحقيق، وليس في الإصلاحيات التابعة للعدل.

ويقول إن التحقيق يكون لدى أجهزة إنفاذ القانون وهي عديدة، منها الداخلية والأمن الوطني والاستخبارات والحشد الشعبي.

وأكد الحقوقي أن “التعذيب هو ثقافة شائعة ورثت عن الأنظمة الشمولية والديكتاتورية السابقة ونقلت إلى النظام الحالي”.

وأشار إلى أن العراق انضم إلى الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب طواعية ودون تحفظ، و”في الدستور العراقي هناك 32 مادة تحفظ الحقوق والحريات، لكن حتى اليوم ليس هناك قانون محلي لمناهضة التعذيب، والقوانين السارية هي قوانين عقوبات سابقة من الأنظمة الزائلة”، وفق قوله.

وحول الحل، يرى أمين أن هناك طريقة بدأ تطبيقها في السليمانية شمال العراق، تتمثّل بالتحقيق مع المتهمين داخل غرفة معزولة تضم كاميرات لتسجيل عمليات التحقيق كما في الغرب، وهي تضمن لكل الأطراف حقوقها، وتضمن العدالة وخوف المحقق من انتهاك القوانين، وكذلك تنفي الادعاءات إن كانت كاذبة من قبل السجناء.

An Iraqi soldier walks near a watch tower of the newly named Baghdad Central Prison in Baghdad’s Abu Ghraib February 21, 2009. Iraqi officials on Saturday formally reopened Abu Ghraib prison, made infamous by images of U.S. troops humiliating Iraqi prisoners, and in addition to a fresh coat of paint, gave it a new name. REUTERS/Mohammed Ameen (IRAQ)