English

منصة عابر في مؤتمر التنمية العالمية 2025

التحول الرقمي من منظور العدالة والتنمية الشاملة

عابر – فرنسا

من قلب كليرمون - فيران في فرنسا، حيث تتقاطع المسارات نحو مؤتمر التنمية العالمية (Global Development Conference 2025) وتلتقي الأفكار الكبرى بالتجارب الميدانية، وتتحوّل البيانات والأبحاث إلى قصص عن أمل وإنجاز. على مدى أيامٍ من النقاش والحوار، جمع المؤتمر باحثين وخبراء وصناع قرار من دولٍ مختلفة، يتشاركون هدفًا واحدًا: كيف يمكن للمعرفة أن تخدم الإنسان وتُحدث فرقًا حقيقيًا في مسار التنمية والتحول الرقمي. ومن بين شاشات العرض وأوراق الأبحاث، نبضت الأفكار حياةً جديدة، واكتسبت البيانات بعدًا إنسانيًا وهي تُترجَم إلى حلولٍ واقعية تسعى لبلوغ التغطية الصحية الشاملة وتحقيق العدالة الرقمية. شاركت منصة «عابر – صحافة من أجل الإنسان» ممثلةً برئيس التحرير أسعد الزلزلي في فعاليات المؤتمر GDC 2025 الذي عُقد لمدة ثلاثة أيام في نهاية أكتوبر الماضي، تحت شعار «التحول الرقمي الشامل: الآثار الاجتماعية والابتكارات التكنولوجية». جاءت المشاركة ضمن مساعي المنصة لتعزيز الحوار حول التحول الرقمي المسؤول، ودعم الجهود الإعلامية المتمحورة حول التنمية العادلة والمستدامة. افتُتِح المؤتمر بكلمة ترحيبية تضمّنت رسالة فيديو من Nandan Nilekani، الرئيس المُؤسّس لـ UIDAI، وكلمات رسمية من ممثلي Global Development Network (GDN) وFERDI وCERDI، تلتها الجلسة الافتتاحية التي نظّمها Asian Development Bank، حيث أبرز المتحدّثون أن التحول الرقمي لم يعد مجرد عملية تقنية، بل أداة تنموية شاملة لإعادة صياغة العلاقة بين البيانات والعدالة الاجتماعية. وادار النقاشات التي تمحورت حول أهمية تمكين المجتمعات من أدوات الابتكار، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في دعم الاقتصاد الأخضر، وتوسيع الشمول الرقمي في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.

رقمنة التنمية: من السياسات إلى الممارسات

شهد اليوم الأول من المؤتمر جلسات غنية بالنقاشات الفكرية والتطبيقية، أبرزها الجلسة العامة بعنوان «الانتقالات التوأم» التي تناولت العلاقة بين الرقمنة والسياسات الخضراء، وضرورة الموازنة بين التحول الرقمي والاستدامة البيئية. وقدّم المشاركون خلال اليوم الأول مجموعة من ورش العمل التي تناولت: سرد القصص البحثية، الذكاء الاصطناعي في الإدارة العامة، سدّ الفجوة الرقمية، وقيادة الشباب الرقمية، إلى جانب نهائيات Global Development Awards Competition 2025 (GDAC ORD) وتحدّث المشاركون عن أهمية البيانات المصنّفة حسب النوع الاجتماعي، وتوظيف أدوات رقمية مبتكرة مثل التأمين الزراعي الرقمي لتعزيز مرونة المجتمعات الريفية في مواجهة تغيّر المناخ. كما نظّمت GlobalDev Blog التابعة لـ Global Development Network جلستين تدريبيّتين استهدفتا الباحثين الشباب، حول كيفية تحويل نتائج الأبحاث إلى رسائل سياسية مؤثّرة، في إطار بناء جسر تفاعلي بين المعرفة وصنّاع القرار.

الابتكار والعدالة الرقمية

في محور الجلسات المتخصصة، جاءت ورشة ‎Australian Catholic University لطرح مفهوم «الإبداع المشترك الشامل» في التطوير الرقمي، مؤكدة على إشراك الفئات المهمشة في تصميم الحلول التقنية. كما ناقشت جلسة ‎Impact Dragonfly مفهوم العدالة الرقمية والاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي في صنع السياسات العامة. وفي الوقت ذاته، قدّمت شبكة ‎TELEP Network منظورًا نسويًا للتنمية الرقمية، مشدّدة على دور النساء في بناء بنى رقمية عادلة، فيما نظّم ‎Youth Internet Governance Forum (Youth IGF) جلسة تفاعلية حول تمكين الشباب من المشاركة في إدارة الفضاء الرقمي العالمي، وتطوير سياسات تضمن تمثيلًا عادلًا للأصوات الجديدة في صنع القرار.الذكاء الاصطناعي والحوكمة الرقمية

اليوم الثاني: الذكاء الاصطناعي والحوكمة الرقمية

تحولت النقاشات في اليوم الثاني إلى محور أعمق عن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والحوكمة في الدول النامية، حيث أكد المتحدثون أن توظيف الذكاء الاصطناعي في التنمية يتطلب سياسات تحكمه بالشفافية والمساءلة. قدّمت UNICEF مبادرتها الجديدة بإطلاق «صندوق أدوات MEL»، الذي يساعد على قياس أثر الابتكار من مرحلة الفكرة حتى التطبيق العملي، في خطوة تعزز مفهوم «الابتكار القائم على الأدلة». كما ناقش صندوق النقد الدولي (IMF) التحديات المالية والتنظيمية المرتبطة بالتشفير والعملات الرقمية، في حين عرضت مؤسسة 60 Million Girls Foundation تجربة ميدانية امتدت لعشر سنوات في التعليم الرقمي دون إنترنت من خلال «مختبر التعلم المحمول»، وهي مبادرة حققت تحولًا ملموسًا في التعليم المجتمعي في المناطق النائية. وفي ختام اليوم الثاني، قدّم Marcos Maggi من Digital Knowledge Center عرضًا موسعًا حول «الثقة في الحوكمة الرقمية»، مستعرضًا تجربة الاتحاد الأوروبي في تطوير أنظمة الهوية الذكية وبناء أطر قانونية تضمن الخصوصية والشفافية.

السيادة الرقمية والعدالة المعلوماتية

تواصلت أعمال اليوم الثالث تحت عنوان «السيادة أو الإمبريالية الرقمية»، في جلسة رئيسية أثارت نقاشًا واسعًا تواصلت أعمال اليوم الثالث تحت عنوان «السيادة أو الإمبرياليَّة الرقمية»، في جلسة رئيسية أثارت نقاشًا واسعًا حول تركّز القوة الرقمية في أيدي عدد محدود من الدول والشركات الكبرى، وضرورة وضع سياسات تعيد التوازن في ملكية البيانات والبنى التحتية للإنترنت. كما ناقش الخبراء آثار العولمة الرقمية على العدالة المعلوماتية، وسبل حماية خصوصية الأفراد في ظل تزايد الاعتماد على الأنظمة الذكية. وفي جلساتٍ موازية، قُدّمت أوراق بحثية حول تأثير الرقمنة في إعادة تشكيل علاقة البحث العلمي بالسياسات العامة، إلى جانب مناقشات حول الاقتصاد الرقمي في الجنوب العالمي، ودور الابتكار المجتمعي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

جوائز التنمية العالمية: ابتكار من أجل الصحة والعدالة

اختُتم المؤتمر بحفل Global Development Awards Competition 2025 (GDAC 2025)، الذي كرّم أبرز التجارب البحثية والمبادرات المبتكرة في دول الجنوب. فاز بالمركز الأول نيسيلي موشاني من University of Mzuzu في ملاوي عن بحث بعنوان «تعزيز أنظمة الصحة المتنقّلة المقاومة لتغيّر المناخ». بينما نال المركز الثاني أنطونيو أولاديميجي من University of Ibadan في نيجيريا عن بحث «تعزيز المساواة في الصحة الغذائية للمرأة». وحصد المركز الثالث أسوغوا تشيسوم نيوما من University of Nigeria, Nsukka عن مشروع «تطوير خوارزميات التعلم الآلي لتنبؤ السكتة الدماغية والوقاية منها». كما مُنحت جوائز لفائزين في فئة Japanese Award for Most Innovative Development Project (MIDP) لمبادرات من تايلاند وباكستان عن المركز الأول، فيما تلقّت المركز الثاني مؤسسة الذكاء الاصطناعي في السعودية‑البرازيل.

نحو مستقبل رقمي أكثر عدلاً

أكدت النقاشات الختامية في جلسة «ما بعد الوصول: نحو إنصاف رقمي للجميع» أنّ العدالة الرقمية لا تعني مجرد توفير التكنولوجيا، بل تمكين الأفراد من استخدامها بفاعلية ومسؤولية. وشدّدت المشاركات على أنّ التحول الرقمي يجب أن يقترن بسياسات إنسانية تضمن الكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص، ليصبح أداة تمكينيّة لا تمييزية. وعن مشاركة المنصة في المؤتمر قال رئيس تحرير منصة «عابر»،

أسعد الزلزلي

«تأتي مشاركتنا في هذا المؤتمر انطلاقًا من إيماننا بأهمية توحيد الجهود بين الإعلام والبحث العلمي لدعم مسارات التنمية وبناء مجتمعات أكثر شمولًا وعدالة، لا سيما مع وجود فجوة بين منطقتنا وباقي دول العالم في إبراز المجال البحثي صحفيًا وإعلاميًا واستغلاله لخدمة الإنسان. هذا اللقاء الدولي يشكّل مساحة حيوية لتبادل الأفكار والرؤى حول سُبل توظيف الحلول الرقمية في خدمة الإنسان، وتعزيز الوصول العادل إلى الخدمات الأساسية في مجالات الصحة والتعليم والتنمية». وأضاف الزلزلي: «من خلال حضورنا في هذا الحدث، نؤكد على دور الإعلام في نقل المعرفة وربطها بالواقع، ودعم المبادرات التي تسعى إلى إحداث تأثير ملموس في حياة الأفراد والمجتمعات. فالمسؤولية