
مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة تكشف لـــ"عابر" مصير أطفال الاغتصاب المنسيين. في لحظة تاريخية فارقة، بينما يلتفت العالم إلى صراعات متعددة، تبقى عيون كثيرة مغمضة عن مأساة إنسانية تتكشف فصولها الدموية في السودان. هناك، حيث تتصاعد ألسنة اللهب وتتطاير شظايا الصواريخ، لا يقتصر الرعب على صوت الانفجارات أو مشاهد الدمار، بل يمتد ليطال أجساد النساء والفتيات، محوّلاً إياها إلى ساحة حرب أخرى، أكثر قتامة وقسوة. في ظل انهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة، وتصاعد حدة الاشتباكات بين الأطراف المتنازعة، أصبحت حماية المدنيين مجرد حبر على ورق، وتحولت كرامة الإنسان إلى سلعة رخيصة تُداس تحت أقدام المتوحشين. التقارير تتوالى، والشهادات تتراكم، لتكشف عن نمط ممنهج ومروع للعنف الجنسي، يُستخدم كسلاح حرب بامتياز. الاغتصاب، الذي كان يُعد جريمة فردية، بات اليوم أداة إرهاب جماعي، تستهدف تمزيق النسيج الاجتماعي وإذلال المجتمعات. آلاف النساء، من صغيرات السن إلى كبيراتهن، يعشن كابوساً يومياً، يتعرضن للاغتصاب الجماعي والفردي، للتشويه، للتهجير القسري، ولكافة أشكال العنف التي لا يتخيلها عقل بشري. هذه الجرائم لا تترك خلفها جسداً محطماً فحسب، بل روحاً ممزقة، وعائلات مفككة، ومجتمعات غارقة في صدمة لا تزول آثارها بسهولة. إنها وصمة عار على جبين الإنسانية، تستدعي صرخة غضب عالمية، واستجابة عاجلة تتجاوز حدود البيانات الشاجبة. في هذا المشهد المظلم، تبرز قامة إنسانية لم تستسلم لليأس أو الخوف. إنها سُليمة إسحاق، ليست مجرد ناشطة حقوقية أو عضوة في وحدة مكافحة العنف ضد المرأة؛ بل هي صوت الصارخ في برية الألم، وضميرٌ حيّ يرفض الصمت، ومناضلة لا تعرف الكلل في وجه الظلم الفاحش. لقد كرست سليمة حياتها للدفاع عن هؤلاء النسوة، لتوثيق جرائمهن، وللمطالبة بالعدالة لهن في عالم يبدو وكأنه نسي وجودهن. حوارها مع منصة عابر لم يكن مجرد تبادل للمعلومات، بل كان رحلة مؤلمة إلى عمق المأساة البشرية، وشهادة لاذعة على وحشية الصراع، لكنه كان أيضاً درساً بليغاً في الصمود والإرادة الإنسانية. تحدثت سًليمة بشجاعة عن الجرائم الممنهجة، وعن غياب العدالة، وعن تحديات العمل في بيئة بالغة التعقيد، لكنها في كل كلمة كانت تبث روح الأمل والإيمان الراسخ بقدرة المرأة السودانية على التعافي والبناء.