فجّرت جريمة القتل الاخيرة في العراق لموظفة جامعية على يد زميلها الاستاذ الجامعي وصهر محافظ البصرة جنوب العراق ، أزمة “إمبراطوريات” عائلات المسؤولين في البلاد، بعد أن كان الجاني هذه المرة أحد أقارب محافظ البصرة.
وكانت السلطات الأمنية في العراق اكتشفت وجود جثة لسيدة تعمل موظفة في كلية التربية الرياضية بجامعة البصرة، وأن الجاني أحد زملائها الأساتذة، الذي اعتُقل في غضون 12 ساعة.
والجاني هو خال أولاد محافظ البصرة، أسعد العيداني، ما أثار شكوكا في العراق حول إمكانية تدخل المسؤول لحماية قريبه، قبل أن ينفي الأخير التدخل، معلنا إعمال القانون.
واستقبل الجمهور العراقي تصريحات محافظ البصرة بصورة إيجابية، لكن ذلك لم يخفِ الغضب من تصرفات عائلات المسؤولين واستسهالهم ارتكاب الجرائم خلال الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى حالة الانفلات في امتلاك الأسلحة، فما القصة؟
حصانة عوائل المسؤولين تثير الاستياء
أثار إعلان تفاصيل القاتل استياء واسعا في العراق، بسبب تكرار الجرائم من أفراد عائلات المسؤولين، ولم يكن إعلان محافظ البصرة إعمال القانون دون تدخله كافيا.
وانتقد مدونون تصاعد وتيرة الجرائم في الأوساط العراقية بشكل عام، والأكاديمية، مع تأكيد أن انفلات السلاح الذي تموله إيران ومليشياتها هو سبب تفاقم الجريمة.
ويرى بعض المراقبين أن الحادثة الأخيرة تبين حجم التساهل مع الجرائم من قبل عوائل وأقارب المسؤولين، مشيرين إلى أن هذه الحادثة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، ما دامت الأحزاب أصبحت “عوائل سياسية محصنة، وأفرادها يفعلون ما يشاؤون بمقدرات العراقيين وأموالهم”.
ومن جانبه، قال المحلل السياسي سرمد العبادي، لبلينكس، إن الجرأة على القتل نابعة من الشعور بسهولة الإفلات من العقاب، بتدخل المسؤول أو الحل العشائري، مستشهدا بحوادث سابقة بينت ذلك، عبر العفو الذي صدر عن ابن محافظ النجف السابق لؤي الياسري، الذي أُلقي القبض عليه متلبسا بالاتجار بالمخدرات، قبل أن يصدر عفو رئاسي عنه بعد مدة قصيرة.
وأشار العبادي إلى أنه من غير المستبعد أن يلاقي شقيق زوجة العيداني الأمر نفسه، بعد أن تهدأ الأمور وتتم تسويتها عشائريا، مؤكدا أن “إمبراطوريات عائلات المسؤولين”، وانفلات السلاح، جعلا المجتمع العراقي أشبه بغابة، بسبب وجود جهات أعلى من الدولة والقانون.
واقع اكاديمي صعب
مواقع التواصل الاجتماعي اكتست بمنشورات غاضبة، بسبب تكرار الحوادث المتعلقة بالتحرش والقتل والابتزاز والمساومة على المستوى الأكاديمي، خاصة في جامعة البصرة ذاتها التي شهدت عملية القتل الأخيرة.
الباحث والأكاديمي، علي الشمري، علق لبلينكس، على الحادثة التي شغلت بال العراقيين، مؤكدا أنها تظهر “الخراب الذي حل بالوسط الأكاديمي”، نظرا لكون الجاني والمجني عليها من موظفي الجامعة.
وأضاف الشمري: “من المفترض أن التدريس الأكاديمي يضم نخب المجتمع، لكننا نرى من بينهم قتلة ومبتزين ومتحرشين، بسبب المال والتأثيرات السياسية”.
وانتقد الباحث العراقي عمليات التعيين في الجامعات، إذ يتم الاختيار “وفقا لمبدأ المحاصصة والتوزيع الحزبي”، على حد قوله، مشيرا إلى أن هناك من يحصلون على شهاداتهم بطرق ملتوية، ومن جامعات مشبوهة خارج العراق، في دول بعينها.
جريمة البصرة الصادمة .. التفاصيل
وتحولت قضية مقتل “سارة العبودي”، الموظفة بجامعة البصرة، إلى قضية رأي عام في العراق، بعد تداول مقطع فيديو للحظة قتلها.
عائلة الضحية كشفت تفاصيل صادمة لوسائل إعلام محلية، إذ ارتُكبت الجريمة في منطقة نائية بين أبوالخصيب والسيبة، جنوب البصرة.
وأشارت العائلة إلى أن القاتل كان يتمتع بعلاقة طيبة معها، كاشفة عن الصدمة التي تعرضت لها بعد معرفة أنه القاتل، مع تأكيد أن الجاني سرق هاتف الضحية، وبعث برسائل بعد الجريمة إلى شقيقة الضحية، تتضمن اتهام أستاذ آخر بالابتزاز، لإبعاد التهمة عنه.
وقال ابن عم الضحية، مهند هادي: “كانت سارة في طريقها إلى عملها في الجامعة صباحا، ومعها والدها في السيارة نفسها، بعد أن أوصلا ابن أخيها إلى مدرسته، وعند رجوعها، طلبت من والدها جلب بعض الاحتياجات وأعادته إلى المنزل، ثم ذهبت لتواجه مصيرها”.
وأشار هادي إلى أن الحادثة التي وقعت في تمام الحادية عشرة صباحا و17 دقيقة، لم تعلم بها الأسرة سوى في الثامنة مساء، بسبب مصادرة هاتفها، وإرساله رسائل من خلاله.
وعندما علم والد الضحية بالرسائل، توجه إلى منزل الأستاذ الدكتور عند الرابعة عصرا، وبعد البحث عن سارة في المستشفيات ومراكز الشرطة، نفى الشخص وجود أي علاقة بينه وبين زميلته، أو ابتزازها بأي شكل من الأشكال.
وفي هذه الأثناء، اتصل شقيق الضحية بوالده، وأخبره بالعثور على سارة مقتولة في منطقة أم الرصاص، مع عدم وجود سيارتها، ليتساءل مهند عن سبب قتلها، مؤكدا أنه وكل أفراد العائلة يثقون بالقانون وقدرته على معاقبة القاتل.
وأظهرت كاميرات المراقبة، ضرغام التميمي يتحدث مع زميلته سارة العبودي، بالقرب من سيارته، ثم أشهر التميمي سلاحه، وأطلق النار عليها، لينهي حياتها على الفور.
والقاتل هو الأستاذ الجامعي في كلية التربية الرياضية بجامعة البصرة، ضرغام التميمي، وهو شخصية معروفة في محيطه الأكاديمي، ورغم مكانته العلمية، فإنه تورط في جريمة هزت الأوساط العراقية.
وكشفت التحقيقات عن أن التميمي هو خال أبناء محافظ البصرة أسعد العيداني، الذي قدم الخميس، واجب العزاء والتقى أهلها، في محاولة منه لإثبات إيمانه بالعدالة، وعدم تدخله لمساعدة صهره وإعلاء القانون كما وعد.