عصابات منظمة خلف تسول متعدد الجنسيات في شوارع العراق ..
يشكل التسول ظاهرة متفشية في العراق تشهد ارتفاع غير مسبوق باعداد المتسولين تجاوز المليون ونصف المليون شخص وفق احصائيات نيابية ، ووسط مطالبات من قبل مختصين بايجاد الحلول القانونية والنفسية الملائمة لمواجهة تلك الظاهرة تؤكد تصريحات رسمية وجود عصابات تستغل فقراء العراق لاستخدامهم في التسول والاتجار بالبشر لاسيما بعد ان اصبحت شوارع بغداد للمتسولين من جنسيات ختلفة وليست العراقين وحسب .
بعد ان غاب المعيل لم تجد أم كرار سوى الرصيف ..
لم تجد أم كرار، 34 عاماً، وطفلتيها سوى رصيف الشارع ملاذاً تلجأ إليه لإعانتها على صعوبات الحياة وظروفها القاسية في فقر العراق، لتضاف رقماً الى إحصائيات للجنة حقوق الانسان النيابية بينت وجود 1.5 متسولاً في عموم البلاد.
هذه الظاهرة المتفاقمة دفعت وزارة الداخلية العراقية في العام الماضي إلى إطلاق حملة كبرى للحد من التسول المنتشر في أغلب الشوارع العراقية.
غير أن الحملة واجهت انتقادات باعتبار أنها كسابقاتها لم تحد من الانتشار الكبير للمتسولين، نتيجة ما يراه مواطنون ومختصون ضعف القوانين الرادعة وغياب الحلول الدائمة بدل الحلول المؤقتة.
أم كرار وطفلتيها تتسول في شوارع بغداد، تقول إن زوجها توفي، ولم تجد سوى الرصيف للاستجداء وإعالة نفسها وطفلتيها.
تقول إنها بعد وفاة زوجها لم تجد حلاً لدفع إيجار منزلها سوى باللجوء إلى رصيف الشارع مع ابنتيها لمد اليد هرباً من واقع أسود.
وتضيف أن عناصر الشرطة دائماً ما تطاردها، إلا أنها ما تلبث وتعود إلى الشارع لأنها لا تملك راتباً أو معين سوى اللجوء للتسوّل.
تسول عابر للحدود في شوارع بغداد ..
على طول شوارع بغداد وتقاطعاتها الرئيسية، ينتشر المتسولون بجنسيات وأعمار متنوعة.
هذه الظاهرة سببت استياء الكثير من أبناء العاصمة بغداد، وتذمرهم من استفحالها نتيجة الظروف الصعبة وضعف تطبيق القانون، إلى جانب وجود شبكات منظّمة تديرها كما يرى البعض منهم.
المواطن إنمار الموسوي الذي يقود مركبته الخاصة، يشكو من كثرة أعداد المتسولين في كل تقاطعات بغداد وطرقها، “ما يجبرك على دفع الأموال لهم لمسح زجاج المركبة أو الطرق المستمر عليه” حسب قوله
يرجع الموسوي أسباب انتشار المتسولين إلى ضعف القوانين وانتشار متسولين من جنسيات أخرى يدخلون للبلاد بطرق مختلفة، ليمتلئ الشارع بمتسولين محليين وأجانب.
من جانبه يرى المواطن العراقي يحيى عليوي، أن التسوّل أصبح مهنة تديرها مافيات وعصابات مختصّة تنظّم عمل المتسولين وتوزيعهم على التقاطعات وحتى حمايتهم من عناصر الشرطة.
عصابات لاستغلال الفقراء..
لا تنف وزارة الداخلية العراقية اتساع ظاهرة التسوّل، مبينّة تشخصيها لوجود عصابات وشبكات تشرف على إدارتها، لكنها تؤكد إطلاقها لحملات مكثّفة من أجل الحد منها وإنهاء مظاهرها في جميع الشوارع.
وأشارت الوزارة إلى اعتقال أكثر من 2000 متسوّل، بينهم 500 من المتاجرين بالبشر خلال العام 2023.
مدير مكافحة إجرام بغداد، اللواء خالد عبود بداي يعترف بتشخيص وجود عصابات مسؤولة عن اتساع أعداد المتسولين، حيث تستغل حاجة الفقراء من العراقيين وتوفر لهم مأوى مقابل استثمارهم في توزيعهم على التقطعات القريبة من الأماكن الحيوية أو حتى استغلالهم كضحايا في الاتجار بالبشر والدعارة.
أما مقداد ميري، المتحدث باسم الداخلية يقول إن وزارته أطلقت حملات صباحية ومسائية لملاحقة المتسولين.
وقال إنه عادة يتم ترحيل الأجانب منهم إلى بلدانهم، بينما يتم إعادة تأهيل المتسولين العراقيين في مؤسسات للدولة أو يطبّق القانون بحقهم.
عصابات منظمة للأتجار بالبشر ..
رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق فاضل الغراوي، قال ، بأن التسول الاجنبي في العراق تقف خلفه عصابات الجريمة المنظمة ويمثل “اخطر” صورة من صور الاتجار بالبشر وهو يعد تجارة اقتصادية لهم.
وقال الغراوي في بيان العام الماضي ، ان عصابات الجريمة المنظمة تدخل المتسولين الأجانب للعراق تحت عدة عناوين منها العمالة و الزيارات السياحية والدينية و التستر بصفة اللاجئ.
وبين ان اغلب جنسيات المتسولين الأجانب والعرب الذين يمتهنون مهنة التسول في العراق هم من الدول الاسيوية، وفي مقدمتها بنغلادش في حين تحتل سوريا المرتبة الاولى في المتسولين العرب وأوضح الغراوي أن وزارة الداخلية ابعدت اكثر من 10 آلاف متسول اجنبي في عامي 2023 و2024 واعادتهم الى بلدانهم في حين مازال الالاف منهم مستمرين بهذه المهنة .
كما اكد ان عدد المتسولين في العراق من الأجانب والعراقيين يصل الى اكثر من 500 الف متسول اغلبهم من الأحداث والنساء.
الغراوي اكد ان عصابات الجريمة المنظمة استغلت الاوضاع القانونية والامنية والاقتصادية لتقوم بتنشيط تجارة التسول في العراق
كما طال رئيس مجلس الوزراء العراقي باطلاق حملة لابعاد كافة المتسولين الاجانب من العراق وملاحقة عصابات الجريمة واعتبار عام ٢٠٢٥ عام خالي من التسول في العراق
كما طالب البرلمان والحكومة بتعديل قانون العقوبات وتشديد العقوبات ضد مرتكبي تجارة التسول .
حلول نفسية وقانونية..
نص قانون العقوبات العراقي على اعتبار التسوّل جنحة يعاقب عليها بالحبس مدة لا تزيد على السنة.
باحثون يؤكدون أن تلك القوانين غير مفعّلة، مطالبين بإيجاد حلول قانونية ونفسية لمعالجة هذه الظاهرة.
أستاذ علم النفس في جامعة بغداد أحمد الذهبي، يربط اتساع ظاهرة التسول بالوضع الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر، والحروب والأوضاع الأمنية التي خلفت الآلاف من اليتامى والأرامل.
لكنه يطالب بأن يكون هناك دور للباحثين النفسيين والاجتماعيين لمشاركة الشرطة في النزول للشارع ولقاء المتسولين وتقديم المعالجة النفسية، وتوفير الحلول الدائمة للعوائل المستحقة من أجل الحد من ظاهرة التسول.
يقول الذهبي إن ظاهرة التسوّل هي “تدمير ممنهج للمجتمع وإضرار بالأمن ما لم تكن هناك حلول نفسية وقانونية”.
لجنة حقوق الإنسان النيابية كانت حذّرت قبل عام من خطورة ارتفاع أعداد المتسولين، مؤكدة أن مجلس النواب العراقي سيعمل على تشريع قوانين تحد من الظاهرة عبر تشديد الإجراءات.