نغص فرحة بداية العام وولد استياء شعبي..قراراستقطاع الرواتب لدعم لبنان وغزة يثير الجدل
فوجئ الموظفون في العراق بحصولهم على رواتب منقوصة، بعد أن قررت الحكومة استقطاع نسبة من الأجور وتوجيهها لدعم لبنان وغزة.
استلم العاملون في القطاع الحكومي رواتبهم عن آخر شهر عمل، ليكتشفوا خصم نسبة 1% منها، وفقًا لقرار رئيس الحكومة، مما أثار استياء شعبيا واسعا.
وكانت الحكومة العراقية قد أشارت في البداية إلى أن التبرعات والاستقطاعات من الرواتب “طوعية وليست إجبارية”، قبل أن يتم فرض الخصم على الجميع بشكل إجباري.
وقد تساءل الكثير من الموظفين عن مصير المليارات التي جمعتها الحكومة العراقية، وسط اتهامات بعدم توجيهها لدعم لبنان وغزة، بالإضافة إلى إشارات حول وجود حالات فساد في استغلال هذه الأموال. فما هي تفاصيل القصة القصة؟
استقطاع غير منصف “مشكوك فيه”
على أبواب دائرة التقاعد في العاصمة بغداد يقف علي شفيع البالغ 70 عاما، متذمرا ومستاء بعد أن صدمه اقتطاع راتبه المفاجئ مع أول العام، ليحكي: “الراتب التقاعدي لا يكفيني وعائلتي لسد الاحتياجات فكيف تستقطع منه الحكومة على مزاجها رغم تكرار حديثها بأنه استقطاع طوعي”.
وأكد شفيع أنه “لا يعارض دعم المتضررين من الشعوب، لكن ذلك لا يكون على حساب العراقيين المحتاجين ورغما عنهم”، مضيفا: “أين المليارات المسروقة التي أنفقت على مشاريع وهمية، وعلى الجيران، ماذا رأينا منها حتى يأخذوا مليارات جديدة لا نعلم هل ستذهب للشعب اللبناني والفلسطيني حقيقة أو إلى جيوب الفاسدين ودعم الدول التي تقف خلفهم”.
استياء ورفض
ومنذ بداية الأسبوع الحالي، ومع استلام الرواتب لشهر ديسمبر الماضي التي تأخرت إلى يناير الجاري، بدلا من استلامها ما بين 22 و27 من الشهر الماضي، حدثت الصدمة.
الاستقطاع المفاجئ والإجباري تسبب بموجة من الاستياء والغضب بين العراقيين حول إجبارهم بدفع تلك الأموال وذهابها لمصير مجهول كما يصفون، وسط تجاربهم المريرة مع الفساد المتغلغل في البلاد.
وارتفعت مطالب بتطبيق الاستقطاعات من رواتب الرئاسات الثلاث والمدراء العامين بدل الاستقطاع من الموظف والمتقاعد الفقير.
وأطلق العراقيون حملة رفض عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن استيائهم وسخطهم من “طريقة الخداع”، و”التعامل الإجباري” من قبل الحكومة تجاه شريحة الموظفين والمتقاعدين لدعم اخرين على حساب العراقيين دون مراعاة لقدرتهم وظروفهم، بحسب تعبيرهم.
استقطاع غير قانوني
واعتبر عضو اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي، والقريب من الإطار التنسيقي، مصطفى سند، قرار الاستقطاع الإجباري من الرواتب “غير قانوني”.
ووصف سند على حسابه عبر “فيسبوك” خطوة الحكومة بأنها “غير قانونية وستقتل التعاطف مع الشعبين اللبناني والفلسطيني بطريقة ناعمة لدى العراقيين”.
وأشار سند إلى “وجود شبهات في طريقة التصرف بالأموال مشككا بالحكومة العراقية وآلية صرفها لتلك الأموال”، حاله مثل حال البعض في العراق.
النائب أضاف : “الاستقطاعات طبقت على العراقيين من السنة والشيعة في محافظات الوسط والغرب والجنوب لكنها استثنت إقليم كردستان الذي لم تطبق فيه الاستقطاعات”.
وبحسبة رياضية فإن سند قال: “رواتب الموظفين والمتقاعدين تبلغ 8 تريليونات دينار عراقي، ونسبة الاستقطاعات غير القانونية تبلغ 70 مليار دينار عراقي تودع بحساب خاص في مكتب رئيس الوزراء”.
خطوة غير مدروسة
ووصف الكاتب الصحافي هادي جلو مرعي الاستقطاعات بـ”غير المبررة”، مشيرا إلى ما ولدته من استياء ورفض شعبي، متسائلا: “دول أخرى أرسلت المساعدات إلى الشعب اللبناني والفلسطيني والسوري وحتى للسودان لكنها لم تستقطع تلك المساعدات من موظفيها أو تثقل كاهلهم فلماذا الحكومة العراقية هي الوحيدة التي اتجهت لهذا الاتجاه؟”.
وأكد جلو أن “المواطن ليس مسؤولا عن القرار الذي تصدره الدولة لقضايا تعاطفية لأن الدولة لا تدار بالعاطفة، فلا أحد من العراقيين يرفض مساعدة الأشقاء، لكن العراقي المتقاعد اليوم هو بحاجة للمساعدة وليس العكس”.
الخوف من مسار الاموال المستقطعة
الناشط في الحركات الاحتجاجية أحمد المحمد لم يعتبر قرار الاستقطاع من الحكومة والقوى السياسية الحاكمة غريبا، لأن الحكومة العراقية كثيرا ما أثبتت، حسب قوله، أن “الأهم لديها رضا الدول الاقليمية وليس رضا العراقيين”.
وأوضح: “أثبتت القوى السياسية والحكومة في مواقف عدة تفضيلها مصالح دول وقوى مجاورة على مصالح البلاد والمواطنين”.
وأضاف المحمد: “هذه الأموال إن لم تضع في شبكات الفساد فإنها ستذهب إلى الانظمة ، وليس الشعوب المستضعفة والنازحة والمدمرة بسبب تهور تلك الأنظمة”.
واعتبر محمد أن العراق ستصبح الرئة المالية الأهم لإعادة قدرات بعض الدول في ال، مضيفا: “بعد الحروب الأخيرة سيعتمدون على العراق، لإعادة قدراتهم وانتشارهم، واستقطاعات الحكومة الأخيرة من بين مواردهم الجديدة”.
حقوق الانسان تعترض
دعا مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في البصرة الهيئة الوطنية للتقاعد إلى مراجعة نسب الاستقطاع، مشيرا في بيان رسمي إلى أن “هناك حالات استقطاع تجاوزت نسبة 1% ولشهرين متتاليين، وهو أمر يتطلب تدخلا عاجلا من وزارة المالية وديوان الرقابة المالية”.
وأضاف البيان أن “ذلك سينعكس سلباً على الأوضاع المعيشية الصعبة والرواتب المتدنية أساساً لهذه الشريحة والتي لا تصل حتى إلى الأمن الغذائي”.
قرار مرفوض منذ البداية
وكان مجلس الوزراء العراقي قد أعلن في 19 من نوفمبر العام الماضي خلال جلسة المجلس الاعتيادية رقم 47 التي عُقدت برئاسة رئيس المجلس، محمد شياع السوداني، التبرع لدعم الشعب اللبناني والفلسطيني في غزة.وجاء في نص القرار: “في إطار الدعم الرسمي والشعبي لأهلنا في غزّة ولبنان، ومن أجل توفير المواد الإغاثية اللازمة لهم، في ظل ما يتعرضون له من ظروف قاسية، وضمن منهج الحكومة في تشجيع العمل والمبادرات التطوعية، صوّت مجلس الوزراء بالموافقة على فتح باب التبرع بشكل طوعي أمام موظفي ومنتسبي الدولة كافة، وذلك باستقطاع نسبة 1% من الراتب والمخصصات، والراتب التقاعدي، لمن يرغب منهم، ويودع المبلغ في حسابات دعم غزة ولبنان بالتساوي، أو وفق الأولويات التي يحددها رئيس مجلس الوزراء، على أن ينفذ هذا القرار ابتداء من تاريخ 1 ديسمبر”.
لكن القرار أثار موجة موجة من الاستياء والرفض الشعبي لقرار الاقتطاع ، وبسبب اتساع الرفض حينها اضطر المجلس الى ، إجراء تعديل على القرار في ال26 من تشرين الثاني العام الماضي ليجعله لمدة 6 أشهر وبشكل طوعي لمن يرغب بذلك.
وذكر المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء في بيان حينها ، إن “رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني ترأس، اليوم الثلاثاء، الجلسة الاعتيادية الثامنة والأربعين لمجلس الوزراء، جرى خلالها بحث التطورات العامة في البلاد، ومناقشة عدد من الملفات المهمة”.