“كوتا النساء” في انتخابات البرلمان العراقي تحت مظلة الرجل وسطوة الذكورية

WhatsApp Image 2025-11-11 at 15.09.38

عابر – العراق
تخوض كثير من المرشحات معركة موازية لا تدور في قاعات الاقتراع ولا تحت قبّة البرلمان، بل في المجتمع نفسه.

قبل أن تُغلَق صناديق الاقتراع في العراق بعد ساعات قليلة، تبدو الصورة السياسية أوسع من مشهد الانتخابات وحده. فبينما تنتظر البلاد ما ستُفرزه هذه العملية من نتائج يُفترض أن تعكس مبدأ المشاركة والتمثيل للجميع؛ تجد كثير من النساء المرشحات أنفسهن في مواجهة خصم غير معلَن، من الذكورية التي تلاحقهن منذ لحظة إعلان الترشّح وحتى ظهور صور بعضهن “أو بالأحرى”، صور أزواجهن وآبائهن على الملصقات الانتخابية!
وبين الخوف من “العيب” والسعي إلى القبول والفوز بمقعد في البرلمان، تختار بعض المرشحات أن يُعرّفن أنفسهن تحت مظلة الرجل لا بوجوههن، في مشهد يبدو ساخرا بقدر ما هو مؤلم، إذ تتحول الحملة الانتخابية إلى اختبار اجتماعي للحياء لا للكفاءة، وفي الوقت الذي يُفترض أن تكسر فيه المرأة القوالب النمطية التي أحاطت بها عبر السنين، تكرس بعضهن صورتها كامتداد لاسم العائلة أو لمكانة الزوج، لا كصوت مستقل يحمل مشروعا سياسيا ناجحا.

النساء لن يقدمن أكثر من الرجال

المواطن محمد علاء والذي علق مستهجنا على أحد الاعلانات الانتخابية “كيف يمكن لناخب أن يختار مرشحة تضع صورة زوجها أو والدها لحملتها الانتخابية، إذا كانت البداية بهذا الشكل فأنا على يقين أنها لن تلتقي بالناخبين مستقبلا ولن تقدم لهم أي خدمات”.
وأضاف”إذا كان زوجها أو والدها منعوها من نشر صورتها فعليهم أيضا منعها من الترشح الا اذا كانت الأهداف البحث عن منصب للتفاخر وجني الأموال “.
وقال من وجهة نظره “أنا كرجل ليس لدي ثقة بأن النسوة يمكن أن يقدمن شيء حتى إذا وصلن إلى البرلمان، ف إذا الرجال لم يقوموا بأي تغيير يذكر خلال الدورات الانتخابية الماضية فكيف الحال بالنساء اللاواتي يخفن من عرض صورهن”.

ليست النساء للنساء دائما!

في المشهد الانتخابي العراقي، تبرز ظاهرة امتناع عدد من المرشحات البرلمانيات عن عرض صورهن الشخصية في الحملات الدعائية، في خطوة تعكس تعقيدات اجتماعية وثقافية عميقة، وهذا الغياب المرئي لا يرتبط بضعف الحضور السياسي، بل يكشف عن تحديات تواجه المرأة في المجال العام أو ضعفا في الشخصية أو عداء من نسوة أخريات!
المرشحة الدكتورة سارة الشمري قالت في تصريح خاص لـ عابر “قد لا يأتي التنمر من الذكور كما يدعي البعض لانني شاهدة على بعض النساء يتصارعن فيما بينهن ويجندن جمهورهن لتمزيق صور منافساتهن وتشويه صورهن في الحملات الانتخابية في ذات المنطقة وحصل هذا الموضوع منذ فترة قصيرة “
وأضافت “قد يلوح البعض في تعليقات أو مواقع باقصاء السافرات من الانتخابات البرلمانية بسبب عدم ارتدائهن الحجاب، يجب التبيه على أن العراق ليس دولة إسلامية فقط لأنه يضم مختلف الفئات ويمتلك شعبا منفتحا”.
“كيف يمكن لمرشحة أن تمثل الشعب وتطالب بحقوقه وهي تتخوف من اظهار صورتها في حملتها الانتخابية، اعتقد أن هذا يدل على ضعف في شخصية المرشحة ولا يمكن أن تقدم اي شيء للناخب وعلى الكتل والقوائم رفض هذه الحالات” تختتم الشمري.

“فقط لأنني إمرأة”!

“لا خير في أمة ولت أمرها لإمرأة” جملة لخصت الهجوم الذي تعرضت له تبارك طارق العزاوي المرشحة للانتخابات البرلمانية العراقية لهذه الدورة، وفي حديث خاص لـ عابر قالت”إنه بعد ترشحي للانتخابات و انطلاق حملتي الانتخابية تعرضت لعدد كبير جدا من الانتقادات والتنمر على صور الحملة الانتخابية، و اتهامي بإجراء عمليات تجميل وحتى التعليق على الستر لأنني غير محجبة (انتي سافرة روحي ستري نفسج) ،على الرغم من انني محتشمة بما ارتديه!
وتساءلت المرشحة العزاوي باستغراب”كيف تناسى هؤلاء أن العراق حكمه سابقا عدد من النساء مثل سميراميس وعشتار وغيرها من النسوة اللاواتي كان لهن دور في إدارة هذا البلد؟، مضيفة ما يزال المجتمع يصر على أن المرأة مكانها في المطبخ وليس السياسة على عكس الكثير من الدول التي تقدر دور المرأة كالرجال في عدة مجالات.
وتستذكر العزاوي تعرضت سابقا لأبشع حالة من التعنيف “الذكوري” داخل موقع أعلى سلطة في البلد وعندما تناولت هذا الموضوع بشكل مختصر في أحد اللقاءات التلفزيونية وتم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي تلقيت هجمة شرسة أيضا من الانتقادات “فقط لأنني إمرأة”، وهذا هو الدافع الحقيقي لترشحي للانتخابات البرلمانية لإثبات مكانتي دون التاثر بما يطرحه البعض “.

السلطة الذكورية طاغية


الناشط في حقوق الانسان والخبير في مجال الانتخابات هوشلو عبد الفتاح قال في حديث لـ عابر، لطالما تعرضن النساء للتهميش تحت شعار الذكورية وهناك مرشحات تعرضن للتعنيف اللفظي والتشهير ليس فقط في هذه الدورة وإنما في الدورات السابقة دون رادع وسجلنا بعض حالات التهديد والابتزاز.
وأكد على ضرورة توعية المنظمات الدولية والمحلية للمرشحات بأهم القوانين التي تحميهن من أي حالات ابتزاز او تهديد او تشويه قد يتعرضن لها خلال الانتخابات وحتى في حياتها اليومية، فالعراق والشرق الاوسط بشكل عام تطغي السلطة الذكورية على صناعة القرار دون إشراك العنصر النسوي”.

للمرشح مثل حظ 3 مرشحات

يذكر أن العراق شهد أول عملية اقتراع في سلسلة الانتخابات العراقية على هيئة انتخابات الجمعية الوطنية الانتقالية والذي يسمى أيضا بالبرلمان المؤقت أو مجلس النواب العراقي المؤقت في 30 يناير 2005 حيث صوت العراقيون لاختيار 275 عضوا في الجمعية الوطنية الانتقالية مجلس النواب العراقي المؤقت.
وتتكون المجالس البرلمانية العراقية في غالبيتها من الذكور فيما تخصص نسبة لا تقل عن 25% منها، أي 83 مقعدا لما تعرف بـ”كوتا النساء” من أصل 329 مقعدا يتنافس عليه هذا العام 7744 مرشحا. وتفوز بهذه المقاعد الـ83 المرشحات الحاصلات على أعلى الأصوات في كل دائرة، وفي حال لم تتحقق هذه النسبة من الفائزات مباشرة يتم استكمالها من المرشحات الخاسرات الحاصلات على أعلى الأصوات في القائمة غير الفائزة، لضمان تحقيق النسبة المطلوبة في كل محافظة.
ومنذ عام 2003 وحتى اليوم فازت أكثر من 500 امرأة بمقاعد في البرلمان العراقي عبر ست دورات انتخابية بفضل نظام الكوتا الذي تم التأكيد عليه عام 2005، بما يضمن حضورا واضحا للمرأة في مراكز صنع القرار بما يضمن حقها في المشاركة بالحياة السياسية.