صدمة صحية تهز البصرة: أطفال يصابون بالإيدز بعد نقل دم

أشعلت إصابة طفل في البصرة بفيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) إثر عملية نقل دم موجة غضب شعبي وجدلاً سياسياً واسعاً، خصوصاً بعد أن كشفت عائلته أنه من مرضى الثلاسيميا الذين يتلقون الدم بشكل دوري. وزادت المأساة عمقاً مع إعلان وفاة طفلة أخرى بالفيروس في ظروف مشابهة، ما أثار تساؤلات عن حجم الخلل في المنظومة الصحية وآليات الفحص والرقابة.

مساءلات واستجوابات

مجلس محافظة البصرة دخل على خط الأزمة سريعاً، إذ ناقش خلال جلسة استجواب مدير دائرة الصحة ملفات عدة مرتبطة بأداء المؤسسات الطبية وآليات الرقابة والإشراف. وقال رئيس لجنة الصحة والبيئة في المجلس، علي عدنان، في تصريح أعقب الجلسة: “ما تم طرحه خطير ويستوجب إقالة مدير الصحة فوراً، وسنلجأ إلى القضاء في حال عجز المجلس عن اتخاذ الإجراءات اللازمة”. وأضاف أن طلب استجواب جديد سيُقدَّم رغم وجود محاولات للضغط على بعض الأعضاء، مؤكداً أن المجلس لن يتساهل مع أي تقصير يعرّض حياة المواطنين للخطر.

حقوق الإنسان تدعو للتحقيق

المفوضية العليا لحقوق الإنسان في البصرة أعلنت بدورها عن تحريك شكوى رسمية تقدّم بها والد طفل يبلغ 13 عاماً أصيب بالفيروس خلال نقل دم. كما طالبت المفوضية بالتحقيق في وفاة طفلة ثانية، مشيرة إلى أن والدها أكد إصابتها أثناء تلقيها الدم منذ أشهر من دون إعلان نتائج التحقيق حتى الآن. ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ طالبت المفوضية بفتح تحقيق في وفاة امرأة في إحدى المستشفيات الأهلية بعد عملية جراحية، مؤكدة ضرورة إنصاف الضحايا وكشف الحقائق للرأي العام.

صحة البصرة تنفي

دائرة صحة البصرة حاولت تهدئة الغضب عبر بيان رسمي، شددت فيه على أن جميع قناني الدم الواردة إلى مصارف الدم تخضع لفحوصات دقيقة، تشمل الكشف عن الأمراض المعدية والفيروسات، ومنها فيروس نقص المناعة. وأوضحت أن هيئة النزاهة سحبت أكثر من 30 عينة عشوائية من مصرف الدم الرئيسي ومركز أمراض الدم الوراثية للصغار، وأظهرت الفحوصات أنها جميعها سليمة بنسبة 100%.

كما نفت الدائرة وجود أكثر من حالة مثبتة، مشيرة إلى أن التحقيق الوزاري ما يزال جارياً في الحالة الوحيدة المبلّغ عنها. ودعت المشتكين إلى مراجعة قسم التفتيش لتقديم شكواهم رسمياً تمهيداً لفتح مجلس تحقيق وكشف الملابسات.

بين الاحصائيات والواقع .. واقع الإيدز في العراق

رغم الصدمة التي أحدثتها الحادثة، يبقى العراق ضمن الدول ذات المعدلات المنخفضة في عدد الإصابات بفيروس نقص المناعة مقارنة بالمعدلات العالمية. فمنذ ثمانينيات القرن الماضي لم يُسجَّل أكثر من ألفي حالة، فيما بلغت الإصابات في بغداد خلال عام 2023 نحو 300 حالة، أما في عام 2025 الحالي فلم يتجاوز العدد الكلي عشر إصابات، آخرها في إقليم كردستان، وفق بيانات رسمية.

لكن النائب ماجد شنكالي كان قد حذّر مؤخراً من أن العدد الحقيقي قد يكون أكبر بكثير من المعلن بسبب الوصمة الاجتماعية التي تمنع المصابين من إجراء الفحوص أو طلب العلاج.

البعد العالمي والفرص العلاجية

وفق آخر إحصائيات منظمة الصحة العالمية، يقدَّر عدد المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية في العالم بـ38 مليون شخص حتى نهاية عام 2021. ورغم أن المرض لا يزال يصنَّف مزمناً ولا علاج نهائي له حتى الآن، إلا أن التقدم الطبي في العلاجات المضادة للفيروسات غيّر جذرياً من طبيعة التعايش مع الفيروس، إذ بات بالإمكان السيطرة عليه ومنع تطوره إلى مرحلة الإيدز إذا جرى الكشف المبكر والالتزام بالعلاج.

وتشير التقديرات إلى أن سبل انتقال الفيروس الأكثر شيوعاً تتمثل في العلاقات الجنسية غير الآمنة، واستخدام إبر ملوثة، إضافة إلى انتقاله من الأم إلى الجنين أثناء الحمل أو الولادة أو الرضاعة.

الحاجة إلى استراتيجية شاملة

يرى مختصون أن هذه الحوادث تمثل جرس إنذار للقطاع الصحي العراقي، وتؤكد الحاجة إلى مراجعة آليات الفحص والرقابة في مؤسسات نقل الدم. كما يشددون على أهمية إطلاق برامج توعية تكسر حاجز الخوف والوصمة، وتدعم الفحص المبكر والعلاج، في وقت يطالب فيه نواب بعقد ورش عمل برلمانية لمناقشة استراتيجيات الوقاية والدعم في المرحلة المقبلة