15 يناير، 2025
مصر الصورة : مواقع التواصل

مزار العاشقين .. قبر تالا وسط صحراء ذي قار يلهم الشعراء ويروي قصة عشق من الزمن الجميل

في جنوب مدينة الناصرية، وتحديدا في منطقة تل اللحم يطل شاخصا صليب على ضريح تذكاري في الصحراء بالقرب من الطريق الرئيسي القادم من محافظة البصرة باتجاه المدينة العراقية.

كل من يمر على هذا الطريق تشخص عيناه نحو الشاهد والتساؤل عن أسباب وجوده في ذلك المكان. لكن أبناء مدينة الناصرية وحدهم يعرفون قصة العشق المرتبطة بذلك الشاهد والذي أصبح مزارا للشعراء والمحبين.

ضريح العاشقين يتوسط الصحراء

تعود قصة تالا الفتاة البولندية، إلى مطلع عام 1982، عندما جاءت من بلادها محملة بهدايا الميلاد إلى حبيبها “جاكوب” الذي يعمل في إحدى الشركات العاملة في إنشاء طريق المرور السريع، من محافظة البصرة مرورا بمحافظة ذي قار، حتى العاصمة بغداد من أجل مفاجأته، غير أن الموت خطفها على الطريق بحادث مروري.

النهاية المأساوية دفعت جاكوب إلى أن يقيم لها شاهدا من الإسمنت لا يتجاوز طوله المتر وعرضه نصف متر، وخط عليه تاريخ وفاتها وحرفين من اسمهما بمحيط صليب في تعبير عن أمله أن تعود له يوما.

الموظف البولندي العاشق لتالا استمر لمدة 8 سنوات يزور الضريح قبل أن ينتهي عمله ويغادر إلى بلاده، تاركا خلفه ذلك الشاهد بصليبه ليذكّر المارة بقصة عشق تالا التي أصبحت تروى بين العشاق الذين يحجون إلى “المزار”.

للقدر رأي اخر .. قصة عشق تالا و جاكوب على شاهد قبر

يقول مدير مفتشية آثار محافظة ذي قار، عامر عبد الرزاق، إن شركة بولندية كانت تنفذ مشروع الطريق السريع بين الناصرية والبصرة عام 1982، وكان العاملون في الشركة يقيمون في منطقة يُطلق عليها “تل اللحم”، وهي منطقة صحراوية تقع عند مثلث البصرة وذي قار والمناطق المحاذية للحدود السعودية، وكان في تلك الشركة مهندس بولندي له حبيبة أو كما يسميها أهل المنطقة “العاشقة”.

ويتابع عبد الرزاق حديثه، إن “المهندس البولندي جاكوب كان يتبادل الرسائل مع حبيبته بانتظار الزواج، وعندما حانت أعياد رأس السنة في ذلك العام، أرادت تالا مفاجأته بالسفر إلى العراق ليحتفلا معا وتكون قريبة منه، لكن القدر كانت له كلمة أخرى، إذ تعرضت لحادث سير وهي في طريقها من بغداد إلى الناصرية لمقابلته، وتوفيت على إثر ذلك”.

وأشار إلى أن العاشق البولندي دفن حبيبته في مكان الحادث على الطريق السريع، وتحوّل الضريح إلى مزار يومي له لمدة تزيد على 8 سنوات، حتى أنهت شركته العمل في المشروع عام 1990 قبل حرب الخليج، وغادر العراق، وظل الضريح وحيدا غريبا كما يطلق عليه الأهالي، وصار رمزا للوفاء والتفاني.

قبر ” تالا ” يلهم الشعراء والعاشقون

دأب شعراء الناصرية بالتغني بحكاية العاشقة البولندية، تكريما لحبها وقطعها مسافات بعيدة للقاء حبيبها، معتبرين قصة حبها تستحق الإشادة والتخليد في قصائدهم ورواياتهم.

كما قام الكثير منهم بتجديد الضريح وصبغه وإعادة تلوين حروفه.

ومنذ سنوات عديدة صار ضريح تالا رمزا للعشاق والأدباء الذين يواظبون على زيارته ويطلبون الرحمة لها.

ويقول رئيس التجمع الثقافي في مدينة سوق الشيوخ الأديب علي مجبل، إن “الضريح تحوّل إلى رمز للوفاء مثلما هو رمز للحب”، مشيرا إلى أن الناس كانوا يذهبون لزيارة الضريح حتى وقت قريب سواء في أعياد السنة أو عيد الحب حيث يضعون الشموع ويرشّون الماء ويضعون الزهور.

ويرى مجبل أن هذا “يعني أن العراقيين لا يفرّقون بين الأديان”، منوّها بالقصة الفريدة لهذه المرأة المسيحية التي أصبح ضريحها في العراق مادة يتغنّى بها الشعراء وحتى كُتّاب السرد من أدباء المنطقة على وجه الخصوص.

ويطالب مجبل بتحويل الضريح إلى مكان سياحي، وإحاطته بصندوق زجاجي، وإدخاله في موسوعة خرائط الخطة السياحية في العراق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *