تراقب الطبقة السياسية والأمنية في العراق بحذر تطورات الأحداث في سوريا بعد سقوط نظام الأسد في الـ8 من ديسمبر الجاري ووصول بعض فصائل المعارضة السورية المسلحة إلى الحكم، التي يراها الكثيرون أنها ذات خلفيات متطرفة أو كامتداد لجماعات إرهابية.
لكن رغم كل ذلك، تشير جهات حكومية وسياسية إلى أن سقوط النظام السوري ساهم بانخفاض دخول المخدرات إلى العراق، خاصة مادة الكبتاغون، وتاليا أوقف تسرب ملايين الدولارات التي كانت تخرج لشرائه.
وكشف مصدر رفيع في الفريق الوطني لمكافحة المخدرات في مستشارية الأمن القومي العراقي، عن انخفاض أو “انعدام” حالات تهريب الكبتاغون عبر الحدود العراقية منذ سقوط نظام الأسد حتى الآن.
ورغم تفاؤل البعض بانخفاض تجارة الكبتاغون في العراق بسقوط الأسد، يرى مراقبون أن الخطر يكمن في خط تجارة المخدرات الذي تتورط فيه ميليشيات ودول مؤثرة في الشأن العراقي.
محللون أمنيون أشاروا إلى أن الكبتاغون السوري لم يكن يدخل للعراق إلا بتواطؤ جهات متعاونة مع هذا النظام، وتاليا هذه الجهات هي نفسها التي تستمر في إدخال مخدر “الكريستال” الإيراني، والجميع يعلم أن الكبتاغون يأتي من سوريا، و”الكريستال” يأتي من إيران.
فماذا نعرف عن هذا الواقع في العراق، ومن يقف وراء هذه التجارة؟
الكبتاغون السوري يكلف العراق 2مليون دولار يوميا ..
يرى مراقبون أن سوريا كانت المصدّر الأول للكبتاغون نحو العراق، مشيرين إلى أن سقوط نظام الأسد وعائلته كان إيجابيا في غلق منفذ تصنيع وتهريب تلك المخدرات.
ويوضح أستاذ العلوم الاقتصادية في الجامعة العراقية، عبد الرحمن المشهداني، أن “المقاطع التي انتشرت لاكتشاف مصانع كبرى لإنتاج الكبتاغون في سوريا عقب سقوط نظام الأسد، تؤكد واقع أنها المصدّر الأول لتلك المادة إلى العراق”، مستشهدا بضبط القوات الأمنية العراقية لآلاف الأطنان من حبوب الكبتاغون من الحدود الغربية خلال الفترة الأخيرة التي سبقت التحولات التي حصلت في سوريا.
ويقدر المشهداني “حجم أموال التجارة غير المشروعة لاستيراد الكبتاغون من سوريا بأكثر من مليوني دولار يوميا”، قائلا إنها “توقفت الآن بعد الأحداث الأخيرة”، وهو ما يراه “أكبر مكسب تحقق للعراق بسقوط نظام الأسد”، وفق قوله.
أعتراف رسمي ..90%من الكبتاغون في العراق سوري
التصريحات التي صدرت إثر سقوط نظام الأسد في إيقاف تجارة الكبتاغون، لم تقتصر على المراقبين، فهناك جهات أمنية أكدت بدورها أن التغيرات في سوريا أوقفت دخول 90% من الكبتاغون المتداول في العراق.
وكشف مصدر رفيع في الفريق الوطني لمكافحة المخدرات في مستشارية الأمن القومي العراقي عن انخفاض أو “انعدام” حالات تهريب الكبتاغون عبر الحدود العراقية منذ سقوط نظام الأسد حتى الآن.
وأوضح حيدر القريشي، عضو الفريق الوطني لمكافحة المخدرات في مستشارية الأمن القومي العراقي، لوسائل الإعلام أنه “لم تسجل السلطات العراقية خلال الأيام التي أعقبت سقوط نظام الأسد، أي عملية تهريب من الأراضي السورية”.
وبيّن أن “الكبتاغون الذي دخل من سوريا يشكل نحو 90% من الكميات المتداولة في العراق”، مشيرا إلى “وجود سياسيين متنفذين وعصابات مسلحة تدير عمليات تهريب المخدرات وتوزيعها في العراق وتصديرها إلى دول أخرى”.
وكشف عضو الفريق الوطني عن “ثغرات” في الحدود مع سوريا من جهة قضاء سنجار بمحافظة نينوى شمال العراق، وعن عمليات “تهريب” للمخدرات في مساحات حدودية أخرى. وأضاف أن “18 مليون حبة كبتاغون ضُبطت في النصف الأول من العام الحالي، إلى جانب اعتقال أكثر من 6 آلاف تاجر ومهرب وناقل للمادة”، وفق قوله.
وكذلك، كشف مستشار رئيس الوزراء العراقي، إبراهيم الصميدعي، في تصريح متلفز لقناة محلية في العراق أن “النظام السوري كان يستغل العراق لتثبيت أمنه القومي وتنشيط تجارة المخدرات عبره، على عكس العراق الذي لم يستغل هذا الأمر، بل حافظ على أمنه القومي”، موضحا أن “العراق تلقى تطمينات من القائمين على الوضع في سوريا حاليا بعدم الإضرار بالعراق، وأن العراق استفاد من قطع طريق المخدرات العالمي عبر سوريا”.
رحل كبتاغون سوريا وبقى كريستال إيران
رغم تفاؤل البعض بانخفاض تجارة الكبتاغون في العراق بعد سقوط الأسد، يرى مراقبون أن الخطر يكمن في خط تجارة المخدرات الذي تتورط فيه جماعات مسلحة ودول مؤثرة في الشأن العراقي.
ويقول المحلل الأمني، محمود الأمين، إن “تجارة المخدرات قضية دولية ومرتبطة بشبكات ودول وقد أعلن ذلك وزير الداخلية العراقي في وقت سابق”، مشيرا إلى أن “الكبتاغون السوري لم يكن يدخل للعراق إلا بتواطؤ جهات متعاونة مع هذا النظام، وتاليا هذه الجهات هي نفسها التي تستمر في إدخال الكريستال، وهو الأخطر على الشباب العراقي”.
وأوضح الأمين أن “ثقل الأسد لم يكن بحجم ثقل الجماعات المسلحة التي يتورط بعضها في تجارة المخدرات من أجل التمويل، والكل يعلم في العراق أن الكبتاغون يأتي من سوريا، والكريستال يأتي من إيران. ولولا سقوط الأسد لما أصبح الحديث الحكومي علانية عن مصدره، فيما سيبقى الحديث عن مصدر الكريستال ودخوله الحدود من الجارة الشرقية إيران، محظورا كون أن الأخيرة لديها ثقل كبير بالقرار العراقي وجماعاتها المسلحة لها اليد الأقوى في الشارع العراقي”، وفق قول الأمين.
وأقر وزير الداخلية العراقي، عبد الأمير الشمري، في تصريحات صحافية أن “تجارة المخدرات في العراق تُستخدم لتمويل جماعات مسلحة ودول”.
يشار إلى أن أكثر أنواع المخدرات رواجا في العراق، كما يؤكد مسؤولون أمنيون، هي مادة الكريستال التي يتراوح سعر الغرام الواحد منها بين 15 إلى 25 ألف دينار، 11.5 إلى 19 دولارا، والكبتاغون التي يصل سعر الحبة الواحدة منها إلى نحو دولارين، وغالبية متعاطيها هم من فئة الشباب بين 18 إلى 30 سنة.
وأنكر نظام الأسد سابقا ضلوعه في عمليات إنتاج وتهريب المخدرات وحبوب الكبتاغون، مرجّعا أسباب انتشار هذه التجارة إلى جماعات “خارجة عن سيطرته” وفي مناطق ضربها “الإرهاب” سابقا، في إشارة منه إلى البقع التي سيطرت عليها فصائل المعارضة.
لكن ما كشفته الفيديوهات التي انتشرت مؤخرا، وثّقت أن عمليات إنتاج وتهريب الكبتاغون كانت تتم انطلاقا من منشآت تقع داخل حدود سيطرة النظام الأمنية والعسكرية الخالصة، وحتى أن واحدة من هذه المنشآت كانت مملوكة ويديرها رجال أعمال مقربون من الأسد.