14 امرأة قُتلت منذ بداية العام : تونس تُواجه تصاعدًا مقلقًا في جرائم قتل النساء
عابر- تونس

في مشهد مقلق يتكرر بوتيرة متسارعة، تتصاعد في تونس وتيرة العنف ضد النساء، حيث أصبحت جرائم القتل بحق النساء ظاهرة متنامية تُنذر بالخطر. بيانات رسمية وتقارير جمعيات حقوقية ترسم ملامح أزمة متفاقمة، إذ تشير الإحصائيات إلى مقتل 14 امرأة منذ مطلع العام 2025، في حوادث تراجيدية خلّفت صدمة في الرأي العام وأعادت إلى الواجهة تساؤلات حول فعالية قوانين الحماية ودور مؤسسات الدولة في التصدي لهذا النزيف الإنساني.
قضايا تهز الشارع التونسي
في أبريل 2025، هزت جريمة قتل المحامية التونسية منجية المناعي وجدان التونسيين، بعد العثور على جثتها محترقة وملقاة في مياه قنال مجردة بجهة منوبة. التحقيقات كشفت تورط مقربين منها: طليقها، أحد أبنائها، ومستأجر لمحطة وقود تملكها الضحية، فيما تم إيقاف ابنها الثاني بألمانيا من قبل الشرطة الجنائية الدولية بعد إدراجه ضمن قوائم التفتيش الدولي.
وفي 5 جوان، شهدت منطقة بوسالم من ولاية جندوبة جريمة قتل مروّعة، حين أقدم رجل على طعن طليقته (في الخمسينات من العمر) عدة مرات، قبل أن يسكب مادة حارقة على جسدها ويضرم فيها النار.

وفي حادثة مشابهة قبل أيام من ذلك، قتل رجل زوجته (45 عامًا) طعنًا بسكين كبير، ثم حاول طعن ابنتها (17 عامًا) من زواج سابق، مما تسبب لها في جرح عميق باليد.
أما في زانوش من ولاية قفصة، فشهد شهر جانفي 2025 جريمة بشعة، حين أقدم رجل على ذبح زوجته وطفله البالغ من العمر أربع سنوات قبل أن يلوذ بالفرار، في مشهد يلخص أقسى درجات العنف الأسري.
احتجاجات وغضب نسوي
تفاعلت جمعيات نسوية وحقوقية مع تصاعد هذه الجرائم، وعبّرت جمعية “أصوات نساء” عن “صدمتها العميقة وغضبها الشديد من هذه الأفعال الوحشية”، مؤكدة أن “جرائم قتل النساء لم تعد أحداثًا معزولة، بل تعكس ظاهرة مقلقة تتزايد عامًا بعد عام”.
وأحصت الجمعية مقتل 14 امرأة خلال النصف الأول فقط من سنة 2025، محذّرة من غياب إجراءات وقائية فعالة، وضعف تطبيق القوانين التي يُفترض أن تحمي النساء من العنف.

وحملت الجمعية الدولة التونسية المسؤولية المباشرة عن تدهور الأوضاع، منتقدة أداء وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، ومشيرة إلى أن 89.33% من قرارات الوزارة خلال الفترة الماضية كانت إدارية بحتة، دون أثر حقيقي في قضايا العنف ضد النساء أو تفعيل القانون رقم 58 لسنة 2017.
عنف قائم على النوع الاجتماعي
تُظهر التقارير أن العنف المسلط على النساء في تونس ليس فقط عنفًا أسريًا أو فرديًا، بل يرتبط ببنية اجتماعية وثقافية تقوم على التمييز. وتصف الخبيرة الاجتماعية فتحية السعيدي جرائم قتل النساء بأنها “ظاهرة اجتماعية” نتيجة لتراكمات من التمييز الجنسي، والهيمنة الذكورية، والعنف الأسري، والزواج القسري، وحتى الإعلام الذي يُسيء أحيانًا لصورة المرأة.

وتُشير دراسات ميدانية إلى أن أكثر من نصف الجناة (52%) هم أزواج الضحايا، بينما يُشكل “الغرباء أو مجهولو الهوية” نسبة 20% من الجناة، ما يبرز أن أخطر العلاقات على حياة المرأة قد تكون تلك التي يُفترض أن تكون أكثر أمانًا.
قانون 58: نص قوي وتطبيق ضعيف
دخل القانون عدد 58 لسنة 2017 حيز التنفيذ بهدف القضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة من خلال الوقاية والملاحقة والعقاب، واعتُبر حينها من بين أكثر القوانين تقدمًا في العالم العربي.
ورغم ما ينص عليه القانون من إجراءات وقائية، وتعريف شامل للعنف (جسدي، نفسي، جنسي، اقتصادي…)، إلا أن التطبيق لا يزال محل نقد واسع. فقد أشار مختصون وحقوقيون إلى ضعف تنفيذ القانون وتراخي الدولة في حماية النساء، مطالبين بخطة وطنية حقيقية لتفعيل آلياته، وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب.
ويشمل القانون أيضًا التزام الدولة باتخاذ تدابير للقضاء على التمييز، ومنع استغلال النساء اقتصاديًا أو تشغيلهن في ظروف مهينة، لكنه يبقى حبرًا على ورق ما لم يُترجم إلى سياسات فعلية وتطبيق صارم.
ويقول القانون في فصله الأول إنه يهدف إلى وضع التدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة بإتباع مقاربة شاملة تقوم على التصدي لمختلف أشكاله بالوقاية وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم.

ويعرف القانون العنف ضد المرأة بـ”كل إعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو إقتصادي ضد المرأة أساسه التمييز بسبب الجنس والذي يتسبب في إيذاء أو ألم أو ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة ويشمل أيضاً التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحريات، سواء في الحياة العامة أو الخاصة.
كما أن القانون يشمل أيضا باباً للوقاية من العنف ضد المرأة، فحسب الفصل السادس من القانون تتخذ الدولة كل التدابير اللازمة للقضاء على كل الممارسات التمييزية ضد المرأة خاصة على مستوى الأجر والتغطية الاجتماعية في جميع القطاعات ومنع الإستغلال الإقتصادي للمرأة وتشغيلها في ظروف قاسية أو مهينة أو مضرة بصحتها وسلامتها وكرامتها، لكن رغم ذلك، هناك إتفاق على أن العنف ضد المرأة وجرائم قتل النساء في تونس في تزايد مخيف نظرا للتقصير في تنفيذ هذا القانون.