“مطلوب عشائرياً”.. عبارة موت تؤرّق منازل العراقيين

عابر – العراق

مطلوب عشائرياً” أو “مطلوب دماً”، عبارة تُكتب باللون الأحمر على جدران منازل في بغداد ومحافظات عراقية أخرى. حيثما تُكتب، يحلّ الخوف، فهي تشير إلى أن المنزل خارج سوق البيع والشراء، وأن من يسكنه يعرّض نفسه لهجوم مسلح أو لمساءلة وفق العُرف العشائري، الذي كثيراً ما تعلو سلطته على سلطة القانون في العراق.

هذه العبارات ليست وحدها مؤشراً على قوة العشائر ونفوذها؛ ففي جنوب العراق، تتكرر مشاهد المواجهات المسلحة بين العشائر، والتي قد تستمر لأيام وتُستخدم فيها حتى الأسلحة الثقيلة.

في المقابل، تحاول وزارة الداخلية العراقية، إلى جانب بعض شيوخ العشائر المعتدلين، تقنين العُرف العشائري وتنظيم أطره بما لا يهدد هيبة الدولة والقانون.

نزوح بأمر العشيرة

أمام بسطة صغيرة لبيع السمك، تقف أم علي، البالغة من العمر 66 عاماً، مُضطرة لإعالة أسرتها المكوّنة من 11 فرداً، بعد أن اضطرت إلى الهرب من محافظة البصرة إلى ديالى بسبب نزاع عشائري تورّطت فيه عائلتها.

تعيش أم علي ظروفاً قاسية، تبيع السمك يومياً من الصباح حتى المساء، دون أمل في العودة إلى منزلها الأصلي.
تقول بأسى: “ما ذنبي كي أُجبر على النزوح بعيداً عن بيتي؟ سطوة العُرف العشائري أجبرتني على الجلوس هنا، أبيع السمك لأحصل على ما لا يتجاوز 30 ألف دينار (20 دولاراً) بالكاد يسد رمق أطفالي“.

الدكة العشائرية”.. أعرافٌ مرعبة

رغم الحملات التي تطلقها الحكومات المتعاقبة لنزع سلاح العشائر، فإنها تبقى حملات شكلية تُظهر عجز الدولة في مواجهة نفوذ العشيرة.

كما لم تفلح القوانين، ومنها قانون تجريم “الدكات العشائرية” (إطلاق نار على المنازل كرسالة تهديد لحثّ صاحبها على الرجوع للعشيرة لحل نزاع ما) والتي تُعامل وفق مواد الإرهاب، في الحد من هذه الظاهرة.

لا تزال كثير من المنازل تُوسم بعبارة “مطلوب عشائرياً”، في ظل امتلاك العشائر العراقية نحو سبعة ملايين قطعة سلاح، معظمها غير مرخّص، بحسب وزارة الداخلية.

وفي عام 2021 وحده، شهدت البصرة مقتل 500 شخص بسبب النزاعات العشائرية، وسُجّل استخدام صواريخ مضادة للدبابات في أحد النزاعات بأطراف العاصمة بغداد.

موازاة لسلطة الدولة

تُعد النزاعات العشائرية، إلى جانب الإرهاب وانتشار السلاح، من أبرز أسباب سقوط المئات من الضحايا العراقيين سنوياً، وسط غياب أي تحرك حكومي أو ديني فعّال للحد منها.

ويؤكد الخبير الأمني أحمد الشريفي أن من أكبر التحديات التي واجهت الحكومات العراقية منذ تأسيس الدولة، هو السلاح غير المنضبط بيد العشائر، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة دفعت إلى تأسيس الجيش العراقي منذ البداية لمحاولة احتواء هذا التمرد وإخضاعه للدولة المدنية.

ويرى الشريفي أن الأمر بات أكثر خطورة، ويتطلب معالجة جذرية دائمة، لا حلولاً مؤقتة تتبع كل صراع ثم تُنسى لاحقاً.

من جانبه، يشير المحلل السياسي أحمد السراجي إلى أن اعتماد الأحزاب على نفوذ العشائر في الانتخابات يجعل الدولة رهينة لسطوة شيوخ العشائر، ويضيف: “تُبنى المؤتمرات الانتخابية على أساس عشائري، ما يُنتج علاقة مصلحة متبادلة بين السياسيين وشيوخ العشائر، تنتهي بتآكل الدولة وهيبة القانون“.