كيف ننظر بعين عوراء والسويداء تُذبح؟ المجازر تمر تحت جسر صمتنا الطائفي

مقال رأي

بقلم: أسعد الزلزلي

في لحظة فارقة من تاريخ الألم العربي، تصرخ السويداء بصوت لا يسمعه أحد. لا لأن الصوت خافت، بل لأن الضمائر التي من المفترض أن تصغي له مشغولة بفلترة الموت وفق بطاقة الهوية الدينية والطائفية. يموت أبناء الطائفة الدرزية اليوم، ويُذبحون أمام أنظارنا، فتتراجع إنسانيتنا خطوات إلى الوراء، ويعلو صمتنا المتواطئ باسم الانتماء.

جثث مكدسة ، رجال تُحلق شواربهم كإهانة رمزية لما تبقى من كرامة، ونساء يُختطفن وسط صراخ المدينة المختنقة. كل هذا يحدث في السويداء، على يد قوات ظلام متعددة الجنسيات، تتوشح بعباءة الدولة وتتنكر بزي ” النظام”. لكنه ليس نظاماً، بل وحش بوجه رسمي، خرج من عباءة الأسد ليعيد إنتاج الاستبداد بشكل أكثر دموية.


المجازر لا تهزنا ما دامت الطائفة “أخرى”… والضحية ليست “نحن”

لقد اعتدنا – للأسف – أن ننظر للمجازر بعيون عوراء، فلا نهتز إلا إذا طالتنا مباشرة. أما حين يُقتل ” الآخر” المختلف عنا في الدين أو المذهب أو العرق، نغرق في صمتنا المريح، أو نبرر، أو نُسكت الضمير بذريعة معارك أكبر. واليوم، يُذبح أبناء طائفة درزية صمدت لعقود في وجه الطغيان، بينما نشاهد كمراقبين خاملين لا يعنيهم الدم ما دام لا يشبههم.

ومن وسط هذه الازدواجية الفاضحة، يطل الإعلامي فيصل القاسم كنموذج حي لها: حين كانت المجازر تُرتكب بحق العلويين، صمت أو صفّق، لأنه اعتقد أن “العدو” يُباد. لكنه اليوم، وقد وصلت النيران إلى أهله، يصرخ، يتألم، يندب، ويستنكر. فيصل – دون أن يدري – هو الثور الأبيض الذي ظل صامتاً حين ذُبح الأسود، فذُبح اليوم في وضح النهار.


صمتٌ اعور ومجازر عمياء

ولأن الأرقام لا تكذب، فإن التاريخ الحديث للمنطقة يزخر بشواهد دامغة:

  • في مجزرة سنجار 2014، قتل تنظيم داعش أكثر من 5,000 إيزيدي وسبى ما يزيد عن 6,800 امرأة وطفلة، بعضهن ما زلن في عداد المفقودات حتى اليوم.
  • في مجزرة سجن بادوش قرب الموصل، أعدم داعش أكثر من 600 شيعي بدم بارد.
  • في حلب 2012–2016، تسبب القصف والحصار والتطهير في مقتل أكثر من 30,000 مدني.
  • في كوباني وعفرين، هجّرت الجماعات المسلحة آلاف الأكراد، وارتُكبت جرائم قتل وتعذيب وتغيير ديموغرافي موثق.
  • في الغوطة 2013، مات أكثر من 1,400 مدني خنقًا بالغاز، أغلبهم من الأطفال.
  • في مجزرة السويداء 2018، قُتل أكثر من 250 مدنيًا درزيًا في هجوم مفاجئ نفذه تنظيم داعش، وسط تراخٍ مريب من النظام السوري في تأمين المنطقة.

والقائمة تطول وتتشابه الألوان والرايات، لكن الثابت الوحيد أن القتل لا يُستنكر إلا عندما يطابق الضحية هويتنا. أما إذا اختلف، فإما أن نتجاهل، أو نبرر، أو نشمت.

القاتل هو نفسه: فكر متطرف بلباس مدني، تدعمه ميليشيات دولية وتغذيه مصالح دول، وتحركه عقائد سوداء لا تؤمن إلا بالإبادة والهيمنة.

والصامت هو نفسه أيضًا: ضمير عربي مأزوم، مشلول، يرى المجازر ولا ينطق، ينتظر دوره على منصة الذبح.

كلنا صامتون… لأن دم السويداء لا يُشبه دمنا

أيها العرب، تذكروا: الساكت عن الحق شيطان أخرس. وتذكروا أيضاً أن المذابح لا تفرّق كثيراً بين طائفة وأخرى إذا ما استُساغ القتل، وتطبعنا مع الجريمة. فحين نصمت اليوم على ذبح الدروز، نُمهّد الطريق لذبحنا نحن غدًا، وفق دورة الموت الطائفي التي لا ترحم.

لا أطلب منكم إلا أن تتخيلوا أنفسكم مكان أم تُشاهد أولادها يُقتلون أمامها على يد ميليشيات مسعورة، أو امرأة تُخطف وتُباع في سوق نخاسة، لا لذنب ارتكبته سوى أنها تنتمي لطائفة لا تُشبهكم.

السويداء اليوم هي اختبار ضمائرنا. ومَن يفشل فيه، سيفشل لاحقًا في الدفاع عن نفسه، وعن مدينته، وعن أولاده، حين يأتيه الموت بلون طائفي مختلف