غرامة “مليون دينار ” وألغاء الأيفادات لتمرير القوانين الجدلية
بعد أكثر من شهرين على انتخاب محمود المشهداني رئيسا لمجلس النواب العراقي وفشل المجلس في التصويت على 3 من القوانين الجدلية ، وجّه المشهداني تحذيرا شديد اللهجة للكتل السياسية داعيا إياها “تحمل مسؤولياتها الوطنية” لإقرار القوانين المهمة خلال ما تبقى من عمر المجلس.
وفي تحرك لإجبار النواب على حضور جلسات التصويت وعدم كسر النصاب كما هو حاصل منذ أشهر، وجه المشهداني قرارا يلغي جميع الإفادات للنواب، والعودة للعمل بالتصويت الإلكتروني على مشاريع القوانين.
ونوه المشهداني بحسب بيان عن مكتبه إلى أن “الأيام المقبلة ستشهد تفعيل قواعد السلوك النيابي وفقاً لقانون المجلس ونظامه الداخلي، وفرض غرامة مالية قدرها مليون دينار (766 دولارا)، على النائب المتغيب عن الجلسة الواحدة، ونشر أسماء النواب المتغيبين في الموقع الإلكتروني الرسمي للمجلس”.
ومن المفترض أن تشهد جلسة البرلمان، الثلاثاء 21 يناير، التصويت على القوانين الجدلية الثلاثة، الأحوال الشخصية، و العفو العام ، وإعادة العقارات، بالإضافة إلى مناقشة تعديلات الموازنة.. فما هي أسباب تحركات المشهداني بحسب خبراء ومراقبين وما هي أبرز القوانين التي فشل البرلمان العراقي في التصويت عليها؟
جلسة الموازنة “القشة التي استفزت المشهداني”
قرارات رئيس مجلس النواب جاءت عقب اجتماعه الأحد 19 يناير، برؤساء الكتل النيابية في المجلس، بعد كسر نصاب جلسة أعلن عنها للتصويت على تعديل المادة 12 من قانون الموازنة الخاص بنفط إقليم كردستان العراق المرسلة من قبل الحكومة.
وتسبب النواب الشيعة الممثلين لمحافظات الوسط والجنوب في كسر النصاب نتيجة اعتراضهم على منح الإقليم 16 دولارا عن كل برميل بعد استئناف تصدير النفط عن طريق شركة التسويق الوطنية “سومو” كنفقات “إنتاج ونقل”.
هذا الاعتراض استفز المشهداني وفق مصادر نيابية، أكدت إصراره على تمرير التصويت على المادة لإنهاء الأزمة القائمة بين الحكومة المركزية في بغداد والإقليم.
المشهداني اجتمع برؤساء الكتل النيابية وطالبهم بتحمل المسؤولية لإقرار القوانين المهمة وأبرزها قانون”العفو” الذي ينتظره أبناء المكون السنّي، من خلال إعادة العمل بالتصويت الإلكتروني، ولوح مهددا النواب بتفعيل قواعد السلوك النيابي خلال الأيام المقبلة وفرض غرامة مليون دينار على النائب المتغيب.
واعتبر المشهداني في بيان، أن غياب النواب المتكرر يعكس تحدياً حقيقياً أمام المجلس في أداء واجباته الدستورية والتشريعية، محمّلاً الكتل السياسية مسؤولية هذا التعطيل، داعياً إياها إلى تحمُّل واجباتها الوطنية بعيداً عن الحسابات الضيقة والخلافات السياسية.
ورفع مجلس النواب جلسته الأحد بعد التصويت على قانون جهاز المخابرات نتيجة كسر النصاب القانوني، اعتراضا على حذف تعديلات قانون الموازنة من جدول الأعمال، عقب انسحاب نواب المكوّن الشيع احتجاجا على تعديل المادة 12 من الموازنة التي صوت عليها 10 من أصل 17 نائبا في اللجنة المالية.
عضو اللجنة المالية مصطفى سند، قال في منشور له عبر فيسبوك إن “اللجنة المالية تصوت على تمرير تعديل الموازنة كما ورد من الحكومة (زيادة تكاليف الإقليم) بدون أي تعديل ولا إضافة”.
وأضاف أن “التصويت تم بواقع 10 أصوات من أصل 17 صوتا، وأنا من ضمن الرافضين للتصويت، لذلك أدعو الأخوة والأخوات النواب لعدم التصويت على الموازنة في البرلمان”.
صراع سياسي “كسر العظم”
انقسمت الآراء حول قرارات المشهداني بين الترحيب بالقرارات الحازمة، بينما شكك آخرون بقدرة المشهداني على تمرير القوانين عبر غرامات التغيب عن الحضور. ويرى محللون أن القوانين الثلاثة المثيرة للجدل وصلت إلى مرحلة “تكسير العظم” بين الكتل السياسية الرئيسية الثلاث، التي تدعم فيها كل كتلة أحد القوانين، وترفض التصويت على القانونين الآخرين.
مدير مركز الرافدين للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور طالب محمد كريم، أعرب عن ترحيبه “بقرارات المشهداني”، موضحا أنه ومع تكرار حالة عدم اكتمال النصاب القانوني لجلسات البرلمان العراقي، “باتت الظاهرة تعكس تحدياً خطيراً يرتبط بغياب الإجراءات الصارمة لمحاسبة النواب المتغيبين عن دورهم الأساسي الذي يمثل أمانة منحها لهم الشعب”.
في ذات السياق أوضح النائب أحمد صلال البدري، أن إقرار القوانين الجدلية والمهمة بات أمراً ضرورياً، مضيفا لوسائل إعلام محلية أن القوانين التي تخصُّ الشأنين الأمني والاقتصادي للمواطن العراقي تأجلت من الدورات السابقة نتيجة التجاذبات والخلافات السياسية.
وأشار النائب إلى أن “هناك توجهاً لدى رئاسة البرلمان والقوى السياسية المضي بتشريع القوانين المهمة خلال الفصل التشريعي الحالي وهذا ما تعكسه مطالبات المشهداني وإصراره”.
بينما أعلن عضو مجلس النواب علي سعدون اللامي، في بيان صحافي، دعمه لقرار التصويت الإلكتروني وإلغاء الإفادات.
في المقابل، يوضح المحلل السياسي سرمد العبادي أن تهديدات المشهداني هي للضغط فقط، وأنه غير قادر على تطبيقها فعليا وفرض غرامة على النائب المتغيب.
وأشار العبادي إلى أن “القوانين الجدلية المعطلة منذ أشهر، وصلت إلى مرحلة كسر العظم بين القوى الشيعية التي تريد إقرار التعديلات على قانون الأحوال الدينية لأسباب عقائدية، وترفض القانونين الآخرين، والقوى السنية التي تطالب بقانون العفو الذي وعدت به جماهيرها منذ بداية الدورة البرلمانية الحالية، لكنها واجهت صعوبة ورفض من قبل النواب الشيعة.
ويوضح المحلل السياسي إن “القوى الكردية تطالب بإقرار قانون إعادة العقارات التي صادرها النظام السابق، وبالأخص في كركوك، وهو ما ترفضه القوى السنية”، ويرى العبادي أن “المعادلة معقدة ولن تحل بغرامات، ما لم تجلس تلك القوى وتحل المسألة بنظام السلة الواحدة كما حصل دائما”.
ومن المفترض أن تشهد جلسة البرلمان، اليوم الثلاثاء، التصويت على القوانين الجدلية الثلاثة:
- الأحوال الشخصية
- العفو العام.
- إعادة العقارات.
إلا أنه تم تعديل جدول أعمال الجلسة المقررة اليوم الثلاثاء، لإضافة بند تعديل الموازنة كأول فقرة على جدول الأعمال.
غياب الانسجام وصراع الرئاسة
ولايرمي البعض بالقوانين الجدلية خلف قرارات المشهداني وحسب بل يراها آخرون ناجمة عن غياب الانسجام والتوافق بين القوى السياسية وايضا وجود تجاذبات غير معلنة يحاول فيها المشهداني فرض وجوده .
رئيس كتلة أجيال النيابية النائب محمد الصيهود أرجع أسباب تعطيل عمل مجلس النواب إلى عدة أسباب في مقدمتها غياب الانسجام بين رئاسة مجلس النواب وتغييب متعمد لدور رؤساء الكتل السياسية للمشاركة في تحديد مواعيد الجلسات وتحديد جداول عمل الجلسات.
وقال الصيهود في تصريح صحفي ، إن “تعطيل جلسات مجلس النواب وتعثر عقد الجلسات يعود لعدة أسباب يقف بمقدمتها غياب حالة الانسجام بين رئاسة مجلس النواب وأساسها ان النائب الاول محسن المندلاوي لازال يتصرف كرئيس للبرلمان لحد الان ، من خلال تعمد النائبين بعدم حضورهما الجلسة في حال وجود المشهداني والعكس صحيح وهذا ادى الى عرقلة عقد الجلسات ، اما السبب الاخر فيتعلق بتعمد رئاسة مجلس النواب بمشاركة رؤساء الكتل السياسية بالتشاور في تحديد موعد الجلسات وادراج القوانين على جدول أعمال الجلسات وكما كان في السابق”.
وأضاف أن “مقاطعة الكتل السياسية حضور الجلسات بحجة عدم ادراج قانون معين ومحاولة فرض إرادتها على بقية الكتل السياسية أصبح ظاهرة سلبية انعكست سلبا على اكتمال النصاب القانوني ، ناهيك عن وجود حالة من التسيب لبعض النواب من خلال عدم التزامهم بتوجيهات رؤساء كتلهم بحضور الجلسات”، داعيا رئاسة مجلس النواب ورؤساء الكتل السياسية إلى “الجلوس والمصارحة لحل تلك المشاكل والمعوقات التي أدت إلى تعطيل المؤسسة التشريعية”.
بدعة “السلة الواحدة”
يرى نواب أن ما يعطل تشريع القوانين وتأجيلها هو رغبة القوى الرئيسية بعدم التمرير دون الذهاب إلى اتفاقات “السلة الواحدة”، والتي يصفونها بالـ”بدعة المخالفة للنظام الداخلي”، والتي تعطل عمل البرلمان وتتسبب بكسر النصاب ، من خلال التغيب عن الجلسات التي تطرح بها القوانين المهمة والجدلية.
وتعني “قوانين السلة الواحدة” طرح قانون جدلي للتصويت بهدف المساومة على قانون آخر.
النائب صائب خدر وصف في حديث صحفي “السلة الواحدة” بأنها “بدعة خاطئة وضعتها القوى السياسية الرئيسية”.