جدل قتل النساء في العراق يتواصل: اغتيال المحامية همسة جاسم يفتح الجرح قبل أن يلتئم

خاص – عابر

لم يكد الجدل المجتمعي حول وفاة الطبيبة بان خالد في البصرة يهدأ، حتى فُوجئ الرأي العام العراقي بجريمة جديدة هزّت الأوساط القانونية والاجتماعية، تمثّلت باغتيال المحامية همسة جاسم بإطلاق سبع رصاصات عليها في محافظة واسط، لتفتح من جديد ملف قتل النساء في العراق، وما يرافقه من دعوات لمحاسبة الجناة وتشديد إجراءات الحماية القانونية للنساء.

القاتل بزي أسود

وفي أحدث تطورات القضية، كشف رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة واسط، حبيب البدري، في تصريح خاص ل عابر، عن تفاصيل جديدة، مؤكداً أن ” التحقيقات الأولية تشير إلى أن الجاني محترف ومتمرّس، وكان متخفياً في منطقة زراعية قبل تنفيذ جريمته” .

وأوضح البدري أن ” خلية أزمة شُكّلت برئاسة محافظ واسط، وعضوية قيادات الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، لمتابعة مجريات التحقيق” ، مشيراً إلى أن ” الأدلة المتوفرة أظهرت أن العملية كانت مخططة مسبقاً، وأن كاميرات المراقبة المثبتة في سيارة المجني عليها رصدت شخصاً يرتدي ملابس سوداء أثناء التنفيذ “.

تفاصيل الحادثة

وأشار البدري إلى أن ” الجريمة وقعت أمام منزل المجني عليها في منطقة العامري، وهي منطقة ذات طبيعة زراعية سكنية”. وأضاف أن “التحقيقات مستمرة، مع وجود مؤشرات أولية تستدعي الاستماع إلى بعض أفراد عائلة المغدورة ضمن الإجراءات الروتينية، نظراً لوجود دعاوى سابقة بينهم وبين الضحية”.

وأفاد البدري أن التقرير الأمني أظهر أن المجني عليها غادرت منزل شقيقها نحو العاشرة والنصف مساءً برفقة ابنة أختها المتبنّاة، وكانت الأخيرة معها لحظة وقوع الجريمة، فيما تشير التحقيقات إلى أن الجاني كان متخفياً قرب منزلها.

وبيّن أن “وزير الداخلية عبد الأمير الشمري أصدر توجيهاً بتشكيل لجنة تحقيقية عليا، ونُقل ملف القضية إلى بغداد لضمان سلامة الإجراءات القانونية والتحقيقية”.

وبحسب المصادر الأمنية، فقد قُتلت الحقوقية همسة جاسم الثلاثاء 7 تشرين الأول/أكتوبر 2025، داخل سيارتها في مدينة الكوت، بعد تعرّضها لإطلاق نار مباشر من قبل مسلحين مجهولين، ما أدى إلى وفاتها على الفور.

خيوط إضافية

لم تتمكن عابر من الحصول على تصريحات من ذوي الضحية، نظرًا للتحفّظ الأمني المفروض لحين استكمال التحقيقات مع جميع الأطراف ذات الصلة.
لكن إحدى صديقات الضحية، وخلال تواصلنا معها، أكدت أن المجني عليها كانت قد سجّلت في وقت سابق شكوى ضد إحدى القيادات المتنفذة، التي ترتبط بجهات سياسية وفصائل مسلحة في محافظة واسط، وكانت في خلاف معها. وأضافت أن الضحية، وبطبيعة عملها، كانت تربطها علاقات واسعة مع جهات مختلفة، من بينها جماعات مسلحة، قد تكون إحداها السبب خلف تصفيتها جسديًا.

حوادث متكررة

تأتي جريمة اغتيال المحامية همسة جاسم لتضيف حلقة جديدة إلى سلسلة من الحوادث التي طالت نساء في العراق خلال السنوات الأخيرة، والتي ما زالت تثير تساؤلات حول تصاعد العنف الموجّه ضد النساء وأسبابه.

فلم تمضِ سوى فترة قصيرة على وفاة الطبيبة بان خالد في البصرة، وهي القضية التي أشعلت موجة من الجدل بين الرأي العام والجهات الرسمية، قبل أن يحسم القضاء العراقي نتائج التحقيق ويؤكد أن الوفاة ناجمة عن انتحار، لينتهي بذلك الخلاف بين الروايات المتداولة.

وتسلط هذه الحوادث الضوء على واقع مقلق تتكرر فيه جرائم القتل ضد النساء، بعضها يُسجَّل كحوادث انتحار أو جرائم جنائية، في ظل دعوات متزايدة لتشديد إجراءات الحماية ومراجعة منظومة العدالة.

ووفقاً لبيانات وزارة الداخلية العراقية التي نقلها المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، تصدّر العراق معدلات جرائم القتل في العالم العربي خلال عامي 2022 و2023، قبل أن يسجّل انخفاضاً نسبياً بنسبة 22% في عام 2024.

في المقابل، أدان مركز النخيل للحقوق والحريات حادثة مقتل المحامية همسة جاسم، معتبراً أنها تعكس استمرار التحديات المتعلقة بالإفلات من العقاب وضعف الردع القانوني.
ودعا المركز إلى إجراء تحقيق مهني وشفاف يضمن العدالة ويعزز الثقة العامة بالمؤسسات القضائية، محذراً من أن أي تأخير أو غموض في الكشف عن ملابسات الجريمة قد يفاقم حالة الشك لدى الرأي العام.
كما قدّم المركز تعازيه إلى عائلة الراحلة وزملائها في الوسط القانوني، مؤكداً ضرورة حماية الكفاءات المهنية والنساء العاملات في المجالات العامة من أي تهديدات أو مخاطر مستقبلية.