كارولين روز، مديرة مشروع تجارة الكبتاغون لدى مركز الأبحاث الأمريكي “New Lines Institute”، تعترف بوجود جهود حقيقية لتفكيك المختبرات الكبرى لإنتاج المخدرات، مضيفة أن التحديات لا تزال كبيرة: “المختبرات السرية الصغيرة، المتنقلة والمتخفية، يصعب اكتشافها كثيراً”.
وتشرح روز هذه التحديات بالقول: “في منطقة حدودية مثل السويداء، التي تجذب العديد من المهربين، فإن التحديات اللوجستية والجغرافية هائلة، هل تمتلك السلطات أنظمة مراقبة متطورة أو معدات فعالة لتأمين الحدود؟ حتى الآن، يبدو أنها لا تملك ذلك”.
منذ سقوط النظام، لا تزال محافظة السويداء تحت سيطرة الميليشيات المحلية، وأقواها ميليشيا الكرامة، التي أعلنت ولاءها لهيئة تحرير الشام.
وفقاً لمصادر متعددة تحدثت إليها فوربيدن ستوريز، فإن الميليشيا تعلن رسمياً رفضها تهريب الكبتاغون، لكن دورها في التجارة لا يزال غامضاً.
أحد الرجال الذين تحدثت إليهم فوربيدن ستوريز كان قد شكّل ميليشيا مناهضة للكبتاغون، لكنه سُجن في عام 2020 على يد نظام الأسد. يقول عن ميليشيا الكرامة: “هم لا يهاجمون المهربين، إنهم يقضون على المنافسة”.
ويضيف: “في السجن، رأيتهم يعتقلون تجاراً صغاراً ثم يرسلونهم إلى سجون يسيطر عليها النظام، الأسد و(ميلشيا) الكرامة سيّان، كلاهما سيء”.
في عام 2022، تردد أنه تمّ اعتقال راجي فلحوط، قائد مجموعة مسلحة متهمة بالتهريب ومرتبطة بالمخابرات العسكرية السورية. بعد حصار منزله، اختفى فلحوط بشكل غامض، وتم العثور على مكابس كبتاغون في منزله.
انتشرت في وسائل الإعلام مزاعم بأن الكرامة كانت “تنظف المدينة”، لكن بعض الصحفيين المحليين شككوا في ذلك.
يقول أحد الصحفيين الذين تابعوا القضية: “الكرامة قبضت عليه، ثم اختفى، لقد اعتقلوه، ثم ساعدوه على الفرار قبل أن يعلنوا مسؤوليتهم عن العملية”.
الكرامة.. سلطة لا تُمس
حتى إن أحد أفراد ميليشيا الكرامة لديه شكوك مماثلة. في عام 2023، عندما اكتشف هذا العضو الشاب ورشة سرية لإنتاج الكبتاغون، منعهم قائد الميليشيا، أبو حسن يحيى النجار، من التدخل.
“الكرامة كانت أقوى مجموعة تحت حكم الأسد، وما زالت كذلك”، يقول هذا العضو، الذي بقي في الميليشيا لحماية نفسه، مضيفاً: “سقوط الأسد لم يوقف التهريب، بل عرقل نشاط أباطرة المخدرات لفترة مؤقتة، لا شيء تغير هنا”.
نتيجة لذلك، يزعم أنه لا تزال عائلة مزهر تهيمن على المشهد في السويداء. العائلة، التي يتابعها أكثر من سبعة آلاف شخص على فيسبوك، يتردد أنها كانت مقربة من نظام الأسد. انضم عدة أفراد منها إلى جمعية أسستها أسماء الأسد لدعم عائلات الجنود القتلى.
وفقاً لتحقيقات “سوريا على طول” (Syria Direct)، شكّلت عائلة مزهر محركاً رئيسياً في تهريب الكبتاغون، مستغلة علاقاتها بالنظام.
في 2013، انتشرت شائعة في السويداء بأن العائلة وجدت كنزاً؛ ما يفسر ثروتها المفاجئة. اليوم، تمتلك عدة “فلل فاخرة” وسط المدينة. يقول أحد الصحفيين المحليين، الذي امتنع عن نشر هذه المعلومات خوفاً على أسرته: “يديرون مصنع كبتاغون على بعد سبعة كيلومترات من حيّهم، وهم متورطون بشكل كبير في التهريب”.
وأضاف الصحفي: “إذا واجهت مشكلة، اذهب إليهم، يمكنهم حل أي شيء، خلال الحرب، كانت هناك عمليات خطف مرتبطة بعصابات الكبتاغون، وكانوا هم من يتولون التفاوض على إطلاق سراح المخطوفين”.
زارت فوربيدن ستوريز حيّ العائلة في مدينة السويداء القديمة، بدت المنطقة وكأنها حبيسة الزمن؛ حيث يقل وجود المباني ذات الطراز الحديث، مقابل منازل حجرية تقليدية؛ ما يعطي انطباعاً وكأنها قرية معزولة داخل المدينة.
تعيش عائلة مزهر -التي تُعدّ من أنصار الأسد- تحت حماية مشددة. عند مدخل منطقتهم، يُغلق الطريق بجرار زراعي، وتُقام حواجز منخفضة لحجب المداخل الأخرى. وعلى الرغم من كل المزاعم والاتهامات الموجهة ضدهم، لم يُعتقل أي فرد من عائلة مزهر حتى الآن.
غارات أردنية ضد تهريب الكبتاغون
كان دور نظام الأسد في إدخال وانتشار الكبتاغون في سوريا محورياً. خالد، جندي سابق في الفوج 405 (تم تغيير اسمه)، يروي تجربته: “في عام 2013، أعطاني أحد رفاقي حبة وقال لي: تبدو متعباً، خذ هذه، كان الأمر شائعاً جداً لدرجة أن أحد زملائي طلبها من صيدلية، ظناً منه أنها دواء عادي”.
لم يدرك الجنود أن هذه الحبوب لم تكن مجرد غنائم حرب من العدو، بل كانت من إنتاج النظام نفسه، الذي كان يصنع الكبتاغون على نطاق واسع لتمويل حربه ضد الفصائل المتمردة، متجاوزاً العقوبات الدولية.
كان النظام يعتمد على الفرقة الرابعة المدرعة، التي يقودها شقيق الأسد ماهر الأسد، للسيطرة على طرق التهريب والبنية التحتية للإنتاج، بمساعدة الميليشيات التابعة له.
تحولت السويداء إلى نقطة ساخنة لتهريب الكبتاغون، حيث انتشر النشاط إلى أطراف المحافظة؛ خاصة على طول الحدود الأردنية.
منذ الإطاحة بالأسد، لا تزال محاولات تهريب المخدرات إلى الأردن مستمرة، يُقابلها قصف للقوات الأردنية على المناطق الحدودية بشكل منتظم؛ للحد من عمليات التهريب.
في 13 كانون الثاني/يناير 2025، استهدفت غارتان قرية الشعب الصحراوية، التي تُعدّ نقطة انطلاق رئيسية في تجارة الكبتاغون. في اليوم التالي للقصف، دافع الشيخ محمد عوض الرمثان، الذي أجرى موقع فوربيدن ستوريز مقابلة معه، عن مجتمعه بالقول: “لا يمكننا مراقبة 375 كيلومتراً من الحدود، نعم بعض الشباب متورطون في التهريب، ولكننا لا نعرفهم، وهم يتاجرون في الحبوب القديمة”.