بربع مليون دولار .. امتلاك شقة في بغداد حكرٌ على الأثرياء وحلم مستحيل للفقراء
تشهد أسعار العقارات في بغداد ارتفاعًا كبيرًا لا يتناسب مع مستوى الخدمات في العاصمة، وسط تحديات أمنية واقتصادية تواجه البلاد.
ويصف بعض العراقيين، خاصة الشباب، هذه الأسعار بالخيالية والمبالغ فيها، مما أدى إلى موجتي هجرة: الأولى من أصحاب الدخل المتوسط إلى دول الجوار، لا سيما تركيا، بسبب انخفاض أسعار العقارات هناك، والثانية نحو المناطق العشوائية داخل البلاد، حيث يضطر ذوو الدخل المحدود للبحث عن مساكن بأسعار أقل.
فما أسباب ارتفاع أسعار العقارات في بغداد؟ وكيف يؤثر الاستثمار في هذا القطاع على تكلفة امتلاك شقة؟
حلم شبه المستحيل
لا يتجاوز راتب هيثم وحيد، وهو موظف حكومي مليون دينار عراقي (650 دولارا)، في حين يبلغ سعر العقار في بغداد الذي لا يتجاوز الـ50 متراً في الأحياء المتوسطة ما بين 250- 300 مليون دينار عراقي (170- 200 ألف دولار)، وهو ما يجعل حلم شراء منزل من غرفة واحدة في يوم من الأيام، أمرا أشبه بالمستحيل.
يقول هيثم ، إن أسعار العقارات في بغداد خيالية ولا تتناسب مع رواتب ذوي الدخل المحدود أمثاله، فهي تفوق بأضعاف أسعار العقارات في دول مستقرة تتوفر فيها كل سبل الحياة والخدمات، مشيراً إلى أن أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة يجدون من حلم امتلاك عقار يؤوي أطفالهم أمراً بعيد المنال.
يضيف هيثم أن هذا الواقع يجبر ذوي الدخل المحدود إلى التجاوز على أراضي الدولة أو السكن في أراضٍ زراعية وهو مخالف للقانون.
أسعار خيالية وطبقات متفاوتة

رغم كل الظروف الأمنية ونقص الخدمات التي يشتكي منها أبناء العاصمة بغداد، فإن سعر المتر الواحد في حي المنصور في جانب الكرخ من بغداد، بلغ 3 آلاف دولار للمتر الواحد صعوداً حسب نوع العقار وموقعه، وقد يصل إلى أكثر من 10 آلاف دولار في المواقع التجارية.
في حي زيونة في جانب الرصافة من بغداد، يتراوح السعر ما بين 4 و5 آلاف دولار للمتر الواحد، وتنوعت الأسعار في المناطق الأخرى بين 1500 و2000 دولار، وهي أسعار يجدها الكثير خيالية مقارنة بواقع الحياة والخدمات في العاصمة.
ويرى الكثير من العراقيين أن أسباب الارتفاع يعود إلى الفوارق الكبيرة في الدخل الشهري للمواطنين، فالطبقة السياسية ورجال الأعمال وأصحاب الدرجات الخاصة يزدادون ثراء في كل يوم، ويستثمرون أموالهم في شراء العقارات داخل العراق.
يقول الصحفي الاقتصادي سرمد العبادي ، إن طبقة متوسطي الدخل اختفت، وهناك طبقتان: الأولى فاحشة الثراء تستمر في الحصول على الأموال بشكل أو بآخر، والأخرى مسحوقة، وهو ما تسبب في قلة العقارات المعروضة مقابل الطلب المرتفع عليها، ما جعل بغداد تصنّف أسوأ مدينة للعيش وأغلى مكان للسكن.
3,5 مليون عراقي يسكنون العشوائيات

الارتفاع الكبير في أسعار العقارات، ساهم بظهور العشوائيات على أطراف المدن، والتي بلغت وفقا لوزارة التخطيط أكثر من 4 آلاف حي عشوائي في عموم العراق، يسكنها أكثر من 3.5 مليون نسمة يشكلون 10% من سكان البلاد، وهي مشكلة أخرى عقّدت مشهد أزمة السكن.
وبحسب وزارة التخطيط، فإن العاصمة بغداد تحتل المركز الأول في انتشار الأحياء غير المخططة، العشوائيات، بواقع 1000 منطقة، تُشكل نسبة 23% على مُستوى العراق، وتلتها محافظة البصرة، بأكثر من 700 منطقة، وتعد محافظة النجف الأقل من ناحية انتشار العشوائيات بواقع 89 منطقة.
المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي يقول ، إن أزمة السكن وارتفاع العقارات متجذرة وتعود إلى ثمانينيات القرن الماضي.
وتابع: “الظروف الأمنية والاقتصادية والحروب التي خاضها العراق، خلقت فجوة ولّدت الحاجة اليوم لنحو 3.5 مليون وحدة سكنية لحل مشكلة السكن”، مؤكداً أن هناك خططاً خمسية، وسياسات وضعت خلال السنوات الماضية، لكنها تعلّقت أيضاً نتيجة الظروف الصحية والأمنية المتراكمة.
دول الجوار بديل للعقارات في العراق

على الرغم من أن اختيار بغداد من بين أسوأ مدن للعيش، وفقاً لتصنيف مؤسسة ميرسر للاستشارات العالمية في العام 2020، بالإضافة إلى خروجها من تصنيف أفضل المدن للعيش في العام نفسه، بحسب مجلة غلوبال فاينانس، يستغرب المواطنون من الأرقام الخيالية لأسعار العقارات فيها رغم غياب الخدمات وتهالك البنى التحتية، ما دفع الكثير من أبنائها وبقية المحافظات العراقية، إلى البحث عن عقارات في دول مجاورة مثل تركيا، أو الأردن نتيجة انخفاض الأسعار هناك.
ويتصدر العراقيون في قائمة شراء المنازل في تركيا منذ العام 2015، إلا أنهم تراجعوا إلى المركز الثاني بعد إيران مع بداية العام 2021، قبل أن يتراجعوا للمركز الثالث منذ شهر أبريل العام 2022 بعد هيمنة روسية على العقارات التركية.
وفي إحصائية رسمية نشرتها هيئة الإحصاء التركية في نوفمبر 2022، جاء العراقيون بالمركز الأول عالمياً بعدد متملكي العقارات في البلاد خلال السنوات الثماني الماضية، بحصيلة وصلت إلى نحو 47 ألف عقار في مختلف المجالات السكنية والتجارية.
وأعلنت هيئة الإحصاء التركية أن العراقيين تقدموا إلى المرتبة الرابعة بين أكثر الجنسيات شراءً للعقارات التركية خلال شهر يوليو/تموز من العام الماضي، بشرائهم 118 منزلًا. وفي أكتوبر من العام الماضي، تصدّر العراقيون قائمة الجنسيات العربية الأكثر شراءً للعقارات في تركيا، بعدد بلغ 124 عقارًا.
المجمعات السكنية زادت الأزمة.. للأثرياء فقط

يرجع اقتصاديون إلى أن رخص أسعار العقار في تركيا، مقارنة بالعاصمة بغداد، وتوفر الخدمات فيها، بالإضافة إلى قربها من العراق، جعل منها وجهة مفضّلة خلال العقد الأخير للكثير من العراقيين متوسطي الدخل، للحصول على وحدة عقارية.
يبيّن المحلل الاقتصادي محمد الأسدي ، أن العراقي يجد أن سعر وحدة سكنية لا تتجاوز 50 متراً، تساوي سعر فيلا في إحدى المحافظات التركية خارج العاصمة، أو شقة فاخرة مع توفر الخدمات وسبل العيش، وهو ما يدفعه بالتفكير للشراء في تركيا.
وأوضح أن المجمعات السكنية التي شرعت بها الحكومة عبر منحها كفرص استثمارية للمقاولين من أجل حل أزمة السكن، ساهمت بالعكس في ارتفاع الأسعار.
وقال إن سعر الشقة في بعض تلك المجمعات يتجاوز 300 ألف دولار، وهو رقم خيالي ومبالغ به.
الأسدي أشار إلى أن تلك المجمعات كأنها خصصت للأثرياء، وليس لحل مشكلة ذوي الدخل المحدود، وأزمتهم مع شراء شقة صغيرة تجمعهم وعائلتهم تحت سقفها داخل بغداد، التي أصبحت أسعار العقارات فيها تتلاءم فقط مع أصحاب الثراء الفاحش وأغلبهم من السياسيين والمتنفذين.