الهجرة التونسية إلى أوروبا: هروب من الواقع ومواجهة المخاطر… ثمان وفيات مريبة خلال 2025

عابر – تونس | 26 سبتمبر/أيلول 2025

شهدت مدينة مرسيليا الفرنسية يوم الثاني من سبتمبر/أيلول 2025 حادثةً راح ضحيتها المواطن التونسي عبد القادر الذيبي (35 عامًا)، إثر إصابته برصاص الشرطة الفرنسية. وبحسب المعطيات الأولية، اندلع شجار بين الضحية وعدد من المواطنين، تخللته طعنات واعتداءات متبادلة، قبل أن تتدخل الشرطة وتطلق عليه ست رصاصات أردته قتيلًا.

أثار مقتل عبد القادر الذيبي غضبًا واسعًا في الشارع التونسي وتنديدًا رسميًا، كما أعاد فتح ملف الهجرة المتزايدة من تونس إلى أوروبا وما يرافقها من مخاطر وانتهاكات يتعرض لها المهاجرون. ولم تتوقف الأحداث عند ذلك؛ فبعد وصول جثمان الضحية إلى تونس، شهدت مدينة القصرين مسيرة جنائزية حاشدة رافقتها احتجاجات نددت بالحادثة، وطالبت السلطات التونسية بالضغط على الجانب الفرنسي لمحاسبة المسؤولين وحماية المهاجرين التونسيين في أوروبا.

وفي السياق نفسه، أصدرت وزارة الشؤون الخارجية التونسية بيانًا نددت فيه بمقتل عبد القادر الذيبي على يد الشرطة الفرنسية في مرسيليا، ووصفت الحادثة بأنها “قتل غير مبرر”، داعيةً السلطات الفرنسية إلى إجراء تحقيق عاجل وشفاف في الواقعة.

حوادث متكررة

لم يكن مقتل عبد القادر الذيبي الحادثة الأولى من نوعها؛ ففي يونيو/حزيران الماضي شهدت مدينة بوجيه سور أرجانس جنوب فرنسا جريمة قتل راح ضحيتها التونسي هشام ميراوي، نفّذها جاره الفرنسي بدوافع عنصرية، بعد أن نشر الجاني مقاطع فيديو تحرّض على قتل العرب.

وسبقت ذلك حادثة وفاة الشاب التونسي وسام بن عبد اللطيف (26 عامًا) في مستشفى سان كاميلو بالعاصمة الإيطالية روما عام 2021، حيث أشارت التقارير الرسمية إلى أنّ سبب الوفاة يعود إلى نوبة قلبية جرّاء تقييده تعسفيًا أثناء إيوائه في قسم الطب النفسي بالمستشفى نفسه. وقد أذِن وكيل الجمهورية في روما بفتح تحقيق أسفر عن توجيه اتهامات إلى ممرضة وطبيب في القضية.

كما أثيرت الشكوك حول الوفاة المسترابة “مثيرة للريبة ” للمهاجر التونسي وجدي هَلّة (27 عامًا)، الذي فارق الحياة في ديسمبر/كانون الأول 2024 داخل سجن بياشينزا في إيطاليا. وبحسب النيابة العامة الإيطالية، فقد وُجّهت تهم لعدد من أعوان الشرطة السجنية، شملت “القتل غير العمد” و”التزوير المرتكب من قبل موظف عمومي”، بعد ثبوت تقصيرهم في حماية حياة السجين.

سجون إيطاليا… 8 وفيات غامضة لتونسيين منذ بداية السنة

أكد النائب السابق عن دائرة إيطاليا والناشط الحقوقي مجدي الكرباعي تسجيل حالة وفاة جديدة لمهاجر تونسي في السجون الإيطالية خلال يوليو/تموز الماضي، ليرتفع بذلك عدد الوفيات إلى ثماني حالات منذ بداية عام 2025، بينها حالتا وفاة سُجلتا خلال أقل من أسبوع واحد. وأُرفق ذلك بتوثيق شهادات عديدة عن الإهمال، وسوء المعاملة، والاكتظاظ الكارثي، والضغوط النفسية التي تدفع الشباب إلى الانهيار ومحاولات الانتحار.

وقال الكرباعي في تدوينة عبر «فيسبوك» إن سجن “بييترو تشيرولي” في مدينة تراباني شهد وفاة شاب تونسي بعد سلسلة من محاولات إيذاء النفس التي كانت مؤشرًا صارخًا على هشاشته النفسية، لكن إدارة السجن اختارت التجاهل إلى أن فقد حياته. وأضاف أن هذه الفاجعة تُضاف إلى حالة وفاة أخرى وقعت قبل أيام قليلة في سجن “ماسا كارارا”، حيث عُثر على جثة شاب تونسي يبلغ من العمر 26 عامًا داخل زنزانته.

واعتبر الكرباعي أن «الصدمة الأكبر أنّ عائلته لم تُبلَّغ رسميًا، بل علمت بالوفاة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيما اضطر شقيقه إلى التوجّه بنفسه إلى وزارة الخارجية التي لم تكن على علم أصلًا بالحادثة».

أعداد التونسيين في أوروبا

حسب ديوان التونسيين بالخارج، تقدر نسبة النمو السنوي للجالية التونسية بالخارج بـ 3.7%، حيث بلغ عدد التونسيين المقيمين في الخارج 1,833,816 شخصًا (حسب إحصائيات سنة 2022). وتتصدر القارة الأوروبية وجهات التونسيين، إذ يستقر فيها 85.7% من مجموع الجالية، من بينهم:

  • 55.8% في فرنسا
  • 15.1% في إيطاليا
  • 6.6% في ألمانيا

ملاحظة: لا يشمل هذا الإحصاء المهاجرين غير النظاميين العابرين من تونس عبر قوارب الهجرة إلى إيطاليا، ومن ثم إلى الدول الأوروبية الأخرى.

اتفاق تونسي–أوروبي: المال مقابل الحد من الهجرة

خلال الفترة الممتدة بين يناير و15 يوليو/تموز 2025، سُجل وصول 648 مهاجرًا فقط، مقارنةً بـ 3,462 مهاجرًا في الفترة نفسها من عام 2024. ويُعزى هذا الانخفاض إلى اتفاقية تونسية–أوروبية تنص، بحسب المفوضية الأوروبية، على دفع 127 مليون يورو لتونس في إطار التعاون الرامي إلى مكافحة الهجرة غير النظامية من أفريقيا إلى أوروبا.

وفي أعقاب ذلك، أصبحت البلاغات الرسمية تعلن بصفة مستمرة عن إحباط محاولات اجتياز الحدود البحرية، واحتجاز عدد من منظمي وممولي عمليات الهجرة، إلى جانب حجز قوارب العبور، ونشر تقارير حول انتشال عشرات الجثث لمهاجرين تونسيين وأفارقة. كما وذكرت المفوضية الأوروبية أنها ستوفر 60 مليون يورو لدعم موازنة تونس، إضافة إلى حزمة بقيمة 67 مليون يورو لتعزيز قدرات البلاد على مكافحة مهربي البشر وتشديد الرقابة على الحدود. وأوضحت المتحدثة باسم المفوضية أن هذه المساعدات مرتبطة باتفاق مع تونس لمعالجة الوضع الطارئ في جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، التي تُعد أول ميناء يصل إليه المهاجرون عبر البحر.

من جهته، أفاد وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوزي أن السلطات التونسية منعت منذ بداية عام 2024 مغادرة أكثر من 61 ألف مهاجر غير نظامي كانوا يسعون للوصول إلى السواحل الإيطالية. وأكد أن هذا الرقم يعكس الالتزام المستمر لبلدان المنشأ وعبور المهاجرين في مكافحة الهجرة غير النظامية. وأشار الوزير الإيطالي أيضًا إلى أن البيانات المتعلقة بالمهاجرين الوافدين إلى إيطاليا عن طريق البحر أظهرت انخفاضًا حادًا خلال سنة 2024 مقارنة بعام 2023 بنحو 63%، كما سجّل تراجعًا بنحو 20% مقارنة بعام 2022.

البحر يبتلع مئات المهاجرين

وفق إحصاءات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بلغ عدد الضحايا والمفقودين على السواحل التونسية حتى شهر أغسطس/أوت 2024 نحو 573 شخصًا، أي بنسبة 37.72%، في حين وصل 1,014 تونسيًا إلى السواحل الإيطالية. وقال الناطق الرسمي باسم المنتدى، رمضان بن عمر، في تصريح إعلامي، إن السلطات التونسية امتنعت بعد منتصف سنة 2024 عن نشر الإحصاءات الحديثة المتعلقة بالمهاجرين المتوفين والمجتازين خلال رحلات العبور.

إيقاف الهجرة والمخاوف الحقوقية

أصوات حقوقية أعربت عن مخاوفها من الانتهاكات التي قد يتعرض لها المهاجرون التونسيون غير النظاميين، في ظل غياب قوانين تحميهم. وجاء ذلك بالتوازي مع تسجيل انخفاض في أعداد التونسيين الواصلين إلى السواحل الإيطالية، نتيجة اتفاق تونسي–أوروبي يهدف إلى الحد من محاولات عبور البحر بشكل غير نظامي.

وفي إطار متصل، عبر المرصد التونسي لحقوق الإنسان، عن رفضه لكل الإملاءات الأوروبية القائمة على المقاربة الأمنية بدل المقاربة التنموية، مستغربًا إصرار هذه الأطراف على منع وصول المهاجرين إلى أراضيهم بكل الطرق المتاحة في تنكر واضح لكل الاتفاقيات والعهود الدولية.

ترحيل قسري “سري”

 

أكد الناشط الحقوقي رمضان بن عمر أن ألمانيا نظمت عمليات ترحيل قسرية جماعية لمهاجرين تونسيين غير نظاميين، وذلك يوم 17 سبتمبر 2025، ضمن سلسلة رحلات الطرد الجماعي التي نظمتها ألمانيا، والتي بلغت حتى الآن ست رحلات منذ بداية عام 2025.

وتتم هذه العمليات بناءً على اتفاق تونس–ألمانيا الموقّع سنة 2017، الذي يقضي بتنظيم السلطات الألمانية رحلات غير معلنة مرفقة بقوات أمنية لإعادة المهاجرين غير النظاميين أو الذين تم رفض طلبات لجوئهم قسرًا إلى تونس، في غياب أي دعم قانوني للطعن في قرارات الترحيل أو برامج لإعادة إدماج المرحلين.

وكشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن ألمانيا نظمت منذ سنة 2022 74 رحلة ترحيل للتونسيين، مع تصاعد أعداد المرحلين من 227 مهاجرًا عام 2022 إلى 293 مهاجرًا عام 2024، في حين شملت رحلتي عام 2025 ترحيل 42 مهاجرًا حتى الآن.

وأضاف المنتدى أن أعداد المهاجرين التونسيين المرحلين من فرنسا تضاعفت خلال سنة 2024 مقارنة بعام 2021، لتصعد من 621 حالة إلى 1,295 حالة، وفق الإحصاءات الصادرة عن الإدارة العامة للأجانب بفرنسا.

ويشير المنتدى إلى أن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية المتتالية في تونس ساهمت في زيادة ظاهرة الهجرة غير النظامية نحو السواحل الإيطالية والبلدان الأوروبية بحثًا عن فرص جديدة وآفاق أفضل.