القصة لم تمت
تقصي تهريب الأسلحة على الحدود الباراغوية البرازيلية يودي بحياة صحفي
ماريانا أبرو وماغدالينا هيرفادا “قصص محظورة“

بمشاركة كل من: صوفيا ألفاريز خورادو، فينياس روكرت “قصص محظورة”؛ ومشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP)
لطالما أغرق مستوردو الأسلحة في باراغوي البلاد بالأسلحة النارية التي قامت عليها أنشطة العصابات المنظمة. يتتبع هذا التحقيق الذي عملت عليه سبع وسائل إعلامية بتنسيق من اتحاد “قصص محظورة” (Forbidden Stories) ومشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) -في إطار مشروع Alianza Paraguay- سلاسل توريد الأسلحة من البلاد التي تصنع هذه الأسلحة حتى وصولها إلى المستوردين الذين يخضعون للتحقيق بتهمة تهريب الأسلحة.
عام 2005، وصل الصحفي البرازيلي لورينسو فيراس (37 عاماً)، والمعروف بين أصدقائه باسم ليو، إلى مدينة بيدرو خوان كاباليرو الحدودية في باراغواي. في ذلك الوقت، كان الصحفي المحلي كانديدو فيغيريدو يغطي أخبار الجريمة المنظمة لصحيفة ABC Color اليومية لأكثر من عقدين. أدت تغطيته المستمرة لأخبار زعماء الجريمة المحليين إلى تكريس حماية شرطية له على مدار الساعة، وتوفير منزل محصن بشدة وصفه لاحقاً بأنه سجن.
يسترجع فيغيريدو خطوات فيراس الأولى، قائلاً: “كان وجهاً جديداً. عندما ظهر، لفت انتباه الجميع”. كان فيراس يتمتع بعلاقات قوية في مدينة بونتا بورا البرازيلية، التوأم الحدودي لمدينة بيدرو خوان، وقد سمّى مدونته باسم “Porã News” تيمناً بها، حيث تناول الجريمة المنظمة والشرطة والاتجار على الحدود. لم يمض وقت طويل حتى بدأ العمل مع فيغيريدو.
يتذكر فيغيريدو الذي عمل مع فيراس لمدة تسع سنوات، أنه كلما التقيا، كان فيراس يطلب من زوجة فيغيريدو أن تحضر له قهوة. “بعد أن يشربها كلها، وعندما يكون على وشك المغادرة، يقول: سأذهب لأحضر قهوة من مكان آخر، لأن القهوة التي أعددتها لي لم تكن جيدة”. ثم يضحك ويواصل حديثه.
ويضيف: “هكذا كان فيراس، ساخراً من طراز فريد”، ويردف مبتسماً: “كان أيضاً صحفياً ومصوراً موهوباً، وكان غالباً أول من يصل إلى مسرح الجريمة، حيث يجمع المصادر ليشاركها مع زملائه”.
كان العمل في بيدرو خوان كاباليرو، حيث قُتل سبعة صحفيين منذ عام 1991، يضع حياة الصحفيين على المحك. في فيلم وثائقي عرض عام 2017، تحدث فيراس عن هذا الخطر قائلاً: “كلنا سنموت يوماً ما. آمل فقط ألا تكون ميتة عنيفة، ربما طلقة واحدة، من دون أضرار كبيرة”.
في 12 شباط/فبراير 2020، ناقش فيغيريدو وفيراس خططهما لإجراء التحقيق التالي. كانا يأملان في إعداد تقرير عن تهريب الأسلحة على طول الحدود. لكن في تلك الليلة، في حين كان فيراس جالساً لتناول العشاء، اقتحم رجلان ملثمان منزله وأطلقا عليه 12 رصاصة. عُثر عليه وفمه مغطى بقطعة قماش ملطخة بالدماء، والتي -وفق لتقرير الشرطة الذي حصلت عليه “فوربيدن ستوريز”- وُضعت بعد إطلاق النار عليه؛ لإيصال رسالة مفادها: تم إسكات الصحفي.
تبيّن أن مرتكبي الجريمة ينتمون إلى منظمة (Primeiro Comando da Capital – PCC)، وهي واحدة من أقوى الشبكات الإجرامية في البرازيل، وتسيطر على تهريب المخدرات والأسلحة على طول الحدود مع باراغواي، حيث تربطها علاقات بشخصيات سياسية نافذة هناك. وبعد تلقيه تحذيرات من مصادر استخباراتية تفيد بأنه سيكون الهدف التالي، لم يجد فيغيريدو خياراً سوى الفرار. جمع حاجياته الأساسية، وغادر مع زوجته إلى الولايات المتحدة، حيث يعيش الآن في المنفى. يقول فيغيريدو مستذكراً لحظة الرحيل: “وقفنا في الخارج لخمس دقائق، نتأمل منزلنا، ثم مضينا. تركنا وراءنا كل ما نملك في هذا العالم”.

الآن، يواصل اتحاد فوربيدن ستوريز عمل الصحفيين، ويكشف جزءاً من سلسلة التوريد المعقدة للأسلحة الصغيرة التي تغذي العصابات الإجرامية في المنطقة. حدد الاتحاد ثلاثة مستوردين، يمثلهم الأشخاص أنفسهم، يغرقون باراغواي بمسدسات من صنع شركة غلوك النمساوية، المعروفة بمسدساتها شبه الآلية.
اتصل الاتحاد بشركة غلوك مرات عدة ، لكنه لم يتلق أي رد على طلبات التعليق.
تخضع شركة GHD، وهي إحدى الجهات المستوردة، لتحقيق من قبل مكتب المدعي العام في باراغواي بتهمة تهريب الأسلحة. وكانت السلطات الأميركية قد أبلغت عن الشركة بعد ضبط مئات من الأسلحة النارية التي تعود لها، وربطها بجرائم عنيفة وقعت في أنحاء متفرقة من أميركا الجنوبية. كما عُثر على أسلحة نارية -أُدخلت عبر شبكة هذه الشركات- في منازل المشتبه بضلوعهم في اغتيال الصحفي فيراس.
أثر الرصاص
على الرغم من أن الشرطة لم تعثر على السلاح الذي قتل فيراس، إلا أن فوارغ الرصاصات التي خلفها السلاح كشفت عن حقيقة ما حدث. عندما أُطلق النار من السلاح، تركت علامات دقيقة على الرصاصة وفارغها. هذه العلامات المميزة تشبه بصمات الأصابع الفريدة لكل سلاح: في هذه الحالة، كان السلاح مسدس غلوك (عيار 9 ملم)، وفقاً لمؤسسة الصحافة الاستقصائية البرازيلية (Abraji). وكشفت تحليلات الطب الشرعي التي أجرتها الشرطة أن السلاح نفسه استُخدم في سبع جرائم قتل أو محاولات قتل أخرى، جميعها مرتبطة بتنظيم PCC الإجرامي.
تفصّل محاضر الشرطة في القضية عدداً من المسدسات التي ضُبطت ضمن ممتلكات القتلة المزعومين، كان نصفها من طراز “غلوك” عيار 9 ملم، بحسب ما أفاد به الاتحاد. ورغم أن هذه المسدسات كانت مسجّلة قانونياً، ولم تُربط رسمياً بأي نشاط إجرامي سابق، فإن العثور عليها بحوزة أشخاص يُشتبه بتورطهم في تهريب الأسلحة والجريمة المنظمة يكشف نمطاً مقلقاً، متمثل في استخدام الشبكات الإجرامية لمسدسات غلوك بشكل متزايد.
كشفت التحقيقات أن جميع مسدسات “غلوك” عيار 9 ملم التي تم تعقبها -باستثناء واحد- تم استيرادها بين عامي 2016 و2019 من قبل تاجر مرخّص واحد فقط: شركة GHD، التي تُعد من أبرز مستوردي هذا الطراز من المسدسات في باراغواي.
تقدم GHD نفسها على أنها “متجر متكامل لتلبية جميع احتياجات الحكومة في مجالي الأمن والدفاع”. ومع ذلك، لا توجد سجلات عامة لأي عقود بين GHD وحكومة باراغواي، على الرغم من المتطلبات القانونية التي تنص على الإفصاح عن مثل هذه الاتفاقيات. عوضاً عن ذلك، حصلت جماعات الجريمة المنظمة على حصة كبيرة من أسلحتها المستوردة بشكل قانوني.
في أواخر عام 2024، وجهت تهمة الاتجار بالأسلحة إلى اثنين من موظفي GHD، أليسيا لوبيز وخيسوس دومينغيز، في باراغواي، بعد بيعهما عشرات الأسلحة النارية “بطريقة غير قانونية”، وفقاً لمحاضر الاتهام.
لم يرد فريق محامي GHD ولوبيز على طلبات التعليق.
وأشارت الأدلة في القضية إلى أن GHD كانت تستخدم شركات أصغر بوصفهم مشترين مفترضين، وتسجل الأسلحة بأسماء أشخاص لا علاقة لهم بعمليات شراء الأسلحة. ووفق اعتقاد أحد المصادر المطلعة على القضية أدلى به إلى فوربيدن ستوريد، فإن الأسلحة كانت موجهة إلى PCC وجماعات إجرامية منظمة أخرى في البرازيل.
في بيان صحفي صدر عام 2024، قالت GHD إنها تتعاون مع السلطات بهذا الشأن، مشددة على أن الأفعال المزعومة صادرة عن أفراد من خارج مجلس إدارة الشركة.
مصادرة عبر الحدود
في شباط/فبراير 2022، اتصلت وزارة العدل الأميركية بالمدعي العام الباراغواياني مارسيلو بيكي، الذي اغتيل في وقت لاحق من ذلك العام أثناء قضائه شهر العسل في كولومبيا. أُرفق بالرسالة تقرير من مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات (ATF)، يسلط الضوء على المخاوف بشأن صلات مشتبه بها بين GHD وتهريب الأسلحة.
بحلول ذلك الوقت، كانت شركة GHD مرتبطة بـ 477 أثراً لأسلحة نارية تم تعقّبها في أميركا الوسطى والجنوبية، بحسب الوثائق. من بين هذه الأسلحة، ضبطت 430 قطعة في البرازيل وحدها، وكلها -كما يورد التقرير- من طراز “غلوك”. وغالباً ما تحصل العصابات الإجرامية البرازيلية على أسلحتها من باراغواي، حيث “الرقابة الأقل صرامة” تُسهل من عملية الحصول على الأسلحة مقارنة بالبرازيل، التي تفرض قيوداً أكثر صرامة، وفقًا للدكتور أندريه سيربين بونت، مدير مركز الأبحاث الإقليمي (CRIES).
لكن هذا الرقم، على الأرجح، لا يمثل سوى جزء ضئيل من الحجم الفعلي للأسلحة المتداولة، إذ يقتصر على المسدسات التي صادرتها السلطات البرازيلية وكانت تحمل أرقاماً تسلسلية واضحة، في حين تُعمد الجماعات الإجرامية في كثير من الأحيان إلى إزالة هذه الأرقام لتفادي التتبع. ووفقاً لبرونو لانغاني، المستشار الأول في معهد “سو دا باز” البرازيلي، “إذا احتسبنا الأسلحة التي أُزيلت أرقامها التسلسلية، فمن المحتمل أن يصل عدد الحالات الإجمالي إلى الآلاف”.
ولم يرد مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات (ATF) على أسئلة فوربيدن ستوريز.
تُظهر وثائق من الشرطة الفيدرالية البرازيلية، حصل عليها اتحاد فوربيدن ستوريز، أن سلاحاً من طراز غلوك عيار 9 ملم صُنع في الولايات المتحدة، سبق أن تم استيراده إلى باراغواي عبر شركة GHD (رمز المستورد GHD-PY)، ثم تم محو رقمه التسلسلي قبل ضبطه في البرازيل.
شملت الشحنات التي استوردتها GHD مسدسات غلوك جُهّزت للتصدير عبر الولايات المتحدة، إلا أن مصدر هذه المسدسات لم يقتصر على الأراضي الأميركية. وتُظهر بيانات التجارة التي حصلت عليها قاعدة بيانات ImportGenius أنه حتى دخول قرار حظر استيراد الأسلحة في باراغواي حيز التنفيذ عام 2023 -والذي منح مديرية المواد الحربية (Dimabel) صلاحية تعليق تراخيص استيراد الأسلحة مؤقتاً- كانت بعض شحنات GHD تأتي أيضاً من أوروبا، وتحديداً من النمسا، حيث يقع المقر الرئيسي لشركة Glock، ومن سلوفاكيا التي تضم أحد مصانعها.
فك شفرة Global Hawk
بدأت شركة GHD استيراد الأسلحة النارية إلى باراغواي عام 2016. وتشير السجلات الرسمية إلى أن ممثل الشركة هو داريو كارميل، عسكري سابق في الجيش الإسرائيلي تحول إلى رجل أعمال. لكن GHD ليست سوى جزء من محفظته التجارية الواسعة، إذ يشغل كارميل أيضاً منصب المدير في شركتين أخريين مرخصتين لاستيراد الأسلحة؛ وهما: “Seguridad Inteligencia y Tecnología Paraguay- SIT Paraguay و”DSR”.
ذُكرت شركة SIT Paraguay إلى جانب GHD في تقرير صادر عام 2017 عن الشرطة الفيدرالية البرازيلية، حصل عليه اتحاد فوربيدن ستوريز. ويصنف التقرير الشركتين ضمن أبرز سبعة مستوردين للأسلحة في باراغواي، صودرت لاحقاً أسلحتها بعد ارتباطها بشبكات الجريمة المنظمة في البرازيل، ما يشير -بحسب نص التقرير- إلى “أنهما ربما نفذتا أضخم عمليات تجارية للأسلحة النارية المُهرّبة”.
تُظهر السجلات العامة أن شركتي SIT Paraguay و DSR حصلتا على عقود حكومية بقيمة ملايين الدولارات بين عامي 2010 و2021. ويكشف أحد هذه العقود أن جيش باراغواي اشترى بنادق كولت بقيمة تزيد على ثلاثة ملايين دولار من SIT Paraguay بين عامي 2011 و2014.
ويشغل أفراد آخرون مناصب متداخلة في الشركات الثلاث. على سبيل المثال، يرد اسم إيران ألون مديراً لشركة SIT Paraguay ويظهر بوصفه شريكاً مؤسساً لشركة GHD في الوثائق الرسمية للشركة. كما يظهر سيباستيان بيكولتز في مناصب قيادية مختلفة. وترتبط أليسيا لوبيز، التي تواجه حالياً تهم تهريب، بشركة GHD، وهي أيضاً موظفة في شركة SIT Paraguay ووصية على شركة DSR.

قال مصدر مطّلع على القضية، طلب عدم الكشف عن هويته لعدم حصوله على تصريح بالتحدث علناً، لاتحاد “فوربيدن ستوريز”: “هناك صلة واضحة بين هذه الشركات، و[أليثيا لوبيز] شخص يُستخدم بوصفه وسيطاً. من المعتاد أن من هم في المستويات العليا من سلسلة المسؤولية نادراً ما يظهرون في الوثائق. لكن هذا يشير إلى أنها مرتبطة بهذه الشركات، وأنها في النهاية كيان واحد”.
لم ترد شركات GHD وSIT Paraguay وDSR على طلبات التعليق. ووفقًا لـ ABC Color، يقول فريق المحامين الخاص بلوبيز إنها كانت “تكابد عبء عمل زائد، وتفتقر إلى المعرفة بشأن قرارات Dimabel”.
كميات ضخمة من الأسلحة
يشير استيراد عدة شركات للأسلحة ذاتها، رغم ارتباطها بالأشخاص أنفسهم، إلى آلية محتملة لتفادي التدقيق؛ فعبر توزيع العمليات على كيانات قانونية متعددة، يمكن لتلك الجهات استيراد كميات ضخمة من الأسلحة من دون إثارة الشبهات حول شركة واحدة بعينها. وعلّق المصدر لاتحاد فوربيدن ستوريز، بالقول: “ليس من اللافت للنظر أن يبيع المورد الأولي لشركتين بدلاً من واحدة، عندما تكون الكميات بهذا الحجم في بلد لا يتجاوز عدد سكانه سبعة ملايين نسمة”.
استوردت شركات GHD وSIT Paraguay وDSR، التي تعد أكبر ثلاث شركات مستوردة لأسلحة غلوك إلى باراغواي، ما لا يقل عن 29 ألف و140 قطعة سلاح ناري من طراز غلوك بين عامي 2013 و2023، وفقاً لبيانات الجمارك التي حللها اتحاد فوربيدن ستوريز.
يقول الدكتور سيربين بونت متعجباً: “هذه كمية هائلة من الأسلحة بالنسبة لسوق صغير”. يتفق الخبراء على أن سوق الأسلحة النارية المحلي في باراغواي مشبع بالفعل، وأن الطلب من المستهلكين لا يبرر استيراد مثل هذه الكميات من الأسلحة النارية. وتضيف سيسيليا بيريز ريفاس، وزيرة العدل السابقة ومستشارة الأمن: “إذا فكرت في المستخدم النهائي، فمن الواضح أنه ليس في باراغواي؛ فهناك أسلحة أكثر بكثير مما يمكن أن يستورده البلد أو يسمح به قانوناً لحيازة المدنيين”.
لعبة إلقاء اللوم
يقول الخبراء إن الحجم الهائل للأسلحة النارية التي تستوردها هذه الشركات يجب أن يدق ناقوس الخطر بالنسبة للمصنعين. ويقول لانجاني: “عندما تنظر إلى حجم الأسلحة المصدرة إلى باراغواي، تجد أنه أكبر بكثير من قدرة البلاد على استيعابها داخلياً”.
مع توسع شركة Glock في عملياتها في الولايات المتحدة عام 2013 من خلال شركتها التابعة Glock Inc، بدأت المزيد من المسدسات في الوصول من الولايات المتحدة.
تكشف وثائق من الشرطة الفيدرالية البرازيلية، حصل عليها اتحاد فوربيد ستوريز، أن سلاحاً من طراز غلوك عيار 9 ملم صُنع في الولايات المتحدة تم استيراده إلى باراغواي عبر شركة SIT Paraguay (رمز المستورد SIT-PY)، ثم تم إزالة رقمه التسلسلي قبل ضبطه في البرازيل.
أظهرت تحليلات أجراها اتحاد “فوربيدن ستوريز” على 117 مسدساً من طراز غلوك صادرتها السلطات في كل من البرازيل وباراغواي، أن نحو 89 منها جاءت من الولايات المتحدة، فيما صُنعت عشرة أخرى في النمسا وصُدّرت إلى شركة Glock Inc التابعة للشركة الأم في الولايات المتحدة. وقد صدرت هذه الأسلحة بموجب تراخيص نمساوية تنص على استخدامها حصرياً داخل السوق الأميركية. كما تم تجميع سبعة مسدسات أخرى في سلوفاكيا، وصدّرت بموجب تراخيص سلوفاكية، في حين لم تأتِ سوى ثلاث قطع مباشرة من النمسا.

تُظهر هذه البيانات أنه على الرغم من أن شركة Glock مقرها في النمسا، التي تفرض لوائح صارمة على التصدير، فإن معظم هذه المبيعات تم توجيهها عبر دول ذات تراخيص تصدير أكثر مرونة، مثل الولايات المتحدة، حيث انسحبت إدارة الرئيس دونالد ترامب من معاهدة تجارة الأسلحة، وخففت القيود على تصدير الأسلحة.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن معظم مبيعات غلوك إلى باراغواي نقلت عبر فروع وسيطة في بنما وأوروغواي.
لم ترد غلوك على طلبات التعليق؛ ولم توضح علاقاتها التجارية الحالية أو السابقة مع شركات GHD وSIT وDSR، أو تشرح الرقابة التي تمارسها على مبيعات شركاتها التابعة إلى باراغواي.
اتخذت بعض حكومات أميركا اللاتينية خطوات قانونية ضد مصنّعي الأسلحة الذين تحمّلهم مسؤولية تدفق الأسلحة غير المشروعة إلى أراضيها. ففي المكسيك، حيث أظهرت البيانات أن أكثر من 70 في المئة من الأسلحة النارية التي تستخدمها الجريمة المنظمة مصدرها ثلاثة في المئة فقط من الشركات المصنّعة في الولايات المتحدة، رفعت الحكومة دعوى قضائية ضد ست شركات أميركية، من بينها شركة غلوك. واستندت الدعوى إلى ما وصفته بـ “الأضرار الجسيمة” التي تسببت بها هذه الشركات من خلال “تسهيلها النشط للاتجار غير المشروع بالأسلحة إلى العصابات والمجرمين”. لكن المحكمة العليا الأميركية رفضت الدعوى في نهاية المطاف، معتبرة أن “شكوى المكسيك لا تحتوي على أدلة معقولة تفيد بأن الشركات المدعى عليها تواطأت أو ساعدت في بيع الأسلحة بشكل غير قانوني إلى مهربي السلاح المكسيكيين”.
يقول أليخاندرو سيلوريو ألكانتارا، المستشار القانوني السابق لوزارة الخارجية المكسيكية “ماذا يجب أن تفعل شركة مسؤولة؟ يجب أن تراقب وتطبق المعايير داخل سلسلة التوزيع الخاصة بها. يجب أن يلتزم كل من يبيع منتجاتها بمعايير معينة لمنع أعضاء الجريمة المنظمة من الحصول على تلك الأسلحة”، مضفاً: “اليوم، هذه الشركات لا تتحمل أي مسؤولية؛ فهي ليست ملزمة بضمان عدم وقوع منتجاتها في أيدي المجرمين”.
ومع ذلك، يسود اتفاق عام على أن المسؤولية مشتركة. يقول هنري زيمر، الزميل المشارك في برنامج الأميركتين لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، لاتحاد فوربيدن ستوريز: “الجميع يحاول إلقاء اللوم على الطرف الآخر، والحقيقة أن المسؤولية مشتركة، فهي تقع على عاتق الجميع بدرجة أو بأخرى”.
تقول الدكتورة راشيل بولتون-كينغ، أستاذة مشاركة في علوم الأدلة الجنائية بجامعة نوتنغهام ترنت: “معظم التحويلات غير القانونية لا تنبع من المصنع نفسه. في رأيي، تأتي من أجزاء فرعية في السلسلة، مثل سرقة الأسلحة المخزنة، والرشاوى والفساد داخل أجهزة إنفاذ القانون والجيش، إضافة إلى سوء التخزين والنقل”.

العواقب على من يقعون في مرمى النيران شخصية، وأحياناً مميتة؛ فجميع القتلة المزعومون في قضية اغتيال الصحفي ليو فيراس، الذين أُلقي القبض عليهم عام 2020، أُفرج عنهم لاحقاً. وظلت جريمة قتله، كما هو الحال مع كثير من الصحفيين قبله، بلا عقاب. يقول فيغيريدو: “لا بد أن نتساءل، هل كان الأمر يستحق؟”. ويتابع: “قضيت 25 عاماً معزولاً تماماً عن المجتمع، محاطاً بالأسلحة والشرطة. لم أكن أستطيع حتى الذهاب إلى مطعم. وحتى الآن، أجد صعوبة في مجرد السير في الشارع، أرتعب من كل صوت. وفي هذا البلد، الأصوات لا تتوقف”.