منع مشاركة الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة في الانتخابات القادمة ..المفوضية تصرّح و الواقع مختلف

مع اقتراب الانتخابات البرلمانية العراقية، أثار تصريح المفوضية العليا للانتخابات بشأن القانون الذي يحظر مشاركة الأحزاب السياسية ذات الأجنحة المسلحة جدلًا واسعًا، بين ما ينص عليه القانون والواقع الفعلي على الأرض.

ورغم استغراب المراقبين من هذا التصريح واستبعاده عمليًا، نظرًا لامتلاك معظم الأحزاب، خاصة قوى الإطار التنسيقي التي تشكّل الحكومة، أذرعًا مسلحة، فإن توقيته يوحي برسائل طمأنة عراقية إلى المجتمع الدولي بشأن فصل الدولة عن الفصائل المسلحة.

فهل بدأ العراق يخضع للضغوط الدولية لدمج الفصائل في المؤسسات الأمنية أو تقليص نفوذها، في ظل المتغيرات الإقليمية؟ أم أن الفوارق اللغوية بين مصطلحي “فصيل” و”جناح” قد تمنحها مخرجًا قانونيًا؟

تبرير مسبق .. الفرق بين “الجناح ” و ” الفصيل” المسلح

تصريحات رئيس الإدارة الانتخابية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، القاضي عامر الحسيني، التي أدلى بها للوكالة الرسمية للأنباء نهاية شهر يناير، أكد فيها أن القانون يمنع مشاركة الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة في الانتخابات، مشددا على أن هذا الأمر يخضع لمتابعة دورية وتفتيش لمقار الأحزاب للتأكد من خلوها من السلاح غير المرخص.

إلا أنه عاد واوضح في نفس التصريحات إلى “وجود تمييز بين الجناح المسلح الذي يمنع القانون مشاركته في الانتخابات، والفصائل المسلحة التي لعبت دورا سابقا في القتال ضد الجماعات الإرهابية، لكنها لا تصنف كجناح مسلح حاليا، مما يجعل وضعها مختلفا من الناحية القانونية”.

وأضاف الحسيني أن “التزام الأحزاب بالمعايير القانونية شرط أساسي للمشاركة في الانتخابات”، موضحا أن “وجود أي جناح مسلح يُعد مخالفة تستوجب التحقيق واتخاذ الإجراءات المناسبة، لضمان نزاهة العملية الانتخابية”.

أمكانية التطبيق ؟

يرى بعض المحللين استحالة تطبيق ما أعلنته المفوضية في ظلّ امتلاك جميع الأحزاب الرئيسية الكبيرة لأجنحة مسلحة ، وتمثل صمام أمان لبقائها في سدة الحكم ، وبالأخص الإطار التنسيقي الحاكم الذي يمتلكم معظمه فصائل مسلحة.

المحلل السياسي، أحمد السراجي يوضح أن “إعلان المفوضية غير قابل للتصديق على اعتبار أن جميع الأحزاب السياسية التي شكلت العملية السياسية بعد العام 2003، تمتلك أذرعا مسلحة”.

ويشير المحلل السياسي إلى أن “القوى الفاعلة جميعها تمتلك فصائل مسلحة، وهذا الأمر معروف للجميع داخل وخارج البلاد من دون الحاجة لأي دليل أو إثبات”، موضحا: “التيار الصدري وعصائب أهل الحق ومنظمة بدر وحزب الدعوة وتيار الحكمة جميعها لديها فصائل مسلحة، بل حتى الأحزاب الكردية تمتلك فصائل مسلحة مثل البيشمركة التي تعمل خارج إطار الدولة”، حسب قوله.

يشرح السراجي أن تطبيق القرار يعني إلغاء العملية السياسية بالكامل، “لأن جميع أركانها من الأحزاب الكبيرة التي تتحكم بالسلطة لديها فصائل مسلحة”.

وأكد أن كلّ ما ذكر يؤكد أن تصريح المفوضية “هو قرار شكلي غير قابل للتطبيق”، مع عدم استبعاده أن “الأحزاب ستتبرأ من الفصائل المسلحة قبيل الانتخابات تماشيا مع الضغوط الدولية والأميركية، لكنها ستعود لها بعد الانتخابات أو تبقى مرتبطة بها في الخفاء”، بحسب السراجي.

رأي لا أكثر

في الجانب الآخر يرى مراقبون أن كلّ الانتخابات العراقية السابقة جرت بمشاركة أحزاب تمتلك أجنحة مسلحة، وبعلم المفوضية التي لم تستطع ولن تستطيع منعها.

المحلل السياسي عمار السرحان بين في تصريحات صحفية  أن “ما قدمته المفوضية كان مجرد رأي لا أكثر”، منوها بأن “كل الانتخابات التي جرت على مدى 20 عاما خالفت الدستور وقانون المفوضية وقانون الأحزاب وجرت بمشاركة أحزاب تمتلك فصائل مسلحة، وتشارك أحيانا بالانتخابات، وبالتالي مَن لم يمنع بالأمس لن يمنع اليوم”، في إشارة إلى المفوضية.

السرحان أشار إلى أن “الإطار” يملك الأغلبية البرلمانية وهو المسيطر على العملية السياسية، وجميع أطرافه لديها فصائل مسلحة، “وباستطاعته تغيير القانون خلال الفترة المتبقية رغم علمه أنه سيخالف الدستور”، مؤكدا أن هناك سطوة وهيمنة للأحزاب الكبيرة على القرار ، “خاصة أن هذه الكتل استطاعت في الانتخابات السابقة حرمان حتى مرشحين فائزين من القيام بعملهم”، وفق قوله.

رأي القانون

بموجب قانون الأحزاب العراقي الذي أقر رسميا في أغسطس 2015، فإنه يحظر امتلاك أي حزب لجناح عسكريّ أو أي تشكيل مسلح أو الارتباط بأي نوع من الفصائل المسلحة.

وتشترط الفقرة الثالثة من المادة الثامنة في الفصل المُتعلّق بأحكام التأسيس، ألا يكون تأسيس الحزب أو التنظيم السياسي وعمله متخذا شكل التنظيمات العسكرية أو شبه العسكرية، كما لا يجوز الارتباط بأي قوة مسلحة.

ووفق مختصين، فإنه بالاستناد إلى هذه المادة، تصبح كثير من الأحزاب الحالية في البرلمان وداخل العملية السياسية مخالفة ولا يحق لها المشاركة بالانتخابات المقبلة.

وكان الحسيني قد أكد خلال تصريحاته للوكالة الرسمية أن موعد الانتخابات سيكون بعد 45 يوما من نهاية عمر مجلس النواب الحالي، ولا يتعدى هذا الموعد الـ25 من نوفمبر، وأضاف أن هناك 319 حزبا مسجلا و46 حزبا قيد التأسيس.