مقتل الطفلة “نرجس” يفتح ملف العنف الأسري المتفاقم

نور عبد الله – بغداد

أثار مقتل الطفلة ” نرجس “، البالغة من العمر خمس سنوات، بعد تعرضها لتعنيف شديد من قبل والدها وزوجته، حالة من الجدل والاستياء في الأوساط الحقوقية داخل العراق. وحمّل ناشطون الجهات المعنية مسؤولية تزايد جرائم العنف الأسري، نتيجة ضعف تطبيق القوانين وغياب الجدية في تشريع قوانين رادعة للحد من العنف ضد الأطفال والنساء داخل الأسرة.

كيف قُتلت نرجس؟

كانت الطفلة “نرجس” ، المقيمة في حي المنتظر شرقي بغداد، قد فارقت الحياة الاسبوع  الماضي، متأثرة بجراحها إثر تعرضها لتعذيب جسدي شديد من قبل والدها وزوجته الثانية. ما تسبب بجدل كبير على مواقع التواصل االجتماعي بشأن تكرار تلك الحوادث التي يقتل فيها اطفال من قبل ويهم جراء التعنيف .
ووفقًا لمصادر أمنية، أظهر الكشف الجنائي وجود آثار واضحة للتعذيب، وشد للشعر، وكدمات زرقاء على جسد الطفلة. وقد أدى ذلك إلى اعتراف الأب وزوجته بجريمتهما بعد التحقيق معهما من قبل ضابط مركز الشرطة.

معصومة تفتح الجرح

عبّر ناشطون وحقوقيون عن استنكارهم الشديد لما تعرضت له الطفلة نرجس ، مؤكدين في الوقت نفسه قلقهم من تنامي ظاهرة العنف الأسري ضد الأطفال في العراق، في ظل غياب تحرك حكومي أو نيابي جاد لإيجاد حلول تشريعية وتنفيذية تحد من هذه الظاهرة المتفاقمة.
وانتقد الناشطون ضعف الأحكام القضائية بحق الجناة، واعتبروها غير رادعة ولا تحقق العدالة المرجوة لأسر الضحايا. كما شددوا على أن ما حدث لمعصومة “ليس الأول من نوعه، ولن يكون الأخير”، في ظل استمرار حالات التعنيف والقتل من قبل أولياء الأمور، نتيجة غياب الردع القانوني الجاد.

حوادث متكررة..

شهد العراق في السنوات الأخيرة حوادث مؤلمة لتعنيف الأطفال، كان أبرزها في عام 2023، حين لفظ الطفل موسى ولاء أنفاسه الأخيرة إثر تعرضه للتعذيب من قبل زوجة والده، التي أجبرته على تناول كمية كبيرة من ملح الطعام، ما أدى إلى وفاته على الفور.
أثارت القضية حينها غضبًا واسعًا في الشارع العراقي، خاصة بعد أن صدر حكم ابتدائي بسجن الجانية 15 عامًا فقط، قبل أن يُعاد الحكم عليها بالسجن المؤبد بعد التمييز.

ولم تكد تهدأ تداعيات تلك الحادثة، حتى وقعت جريمة مروعة أخرى في العام التالي، تمثلت في مقتل طفل خنقًا على يد أحد أفراد أسرته في محافظة بابل، حيث أقر الجاني بقتل الطفل بدافع الكراهية، في جريمة هزّت الرأي العام مجددًا.

قانون “الأحوال الشخصية” يزيد المخاوف

أعرب مدونون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي عن غضبهم الشديد إزاء استمرار حالات العنف ضد الأطفال، خاصة في ظل تزايدها بالتزامن مع اقتراب تطبيق قانون الأحوال الشخصية، الذي أقره البرلمان العراقي ضمن ما يُعرف بـ”قوانين السلة الواحدة” في 21 يناير من هذا العام.

ويمنح القانون الجديد الأب حق الحضانة في حالات الطلاق، ما أثار موجة واسعة من القلق لدى الناشطين الحقوقيين، الذين حذروا من أن تطبيقه قد يؤدي إلى تصاعد العنف الأسري ضد الأطفال من قبل أولياء الأمور، وخصوصًا في ظل بيئة قانونية غير رادعة.

ويرى ناشطون أن القانون لا يكتفي بتوسيع صلاحيات الولاية الأبوية فحسب، بل يُمهد كذلك لشرعنة زواج القاصرات، مما يهدد بزيادة معدلات الطلاق، وتفاقم ظاهرة العنف داخل الأسرة.

إحصائيات..العنف في تصاعد

تشير إحصائيات صادرة عن المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق إلى تزايد مقلق في حالات العنف الأسري ضد الأطفال خلال العامين الماضيين.
ووفقًا لبيانات وزارة الداخلية، فقد تم تسجيل نحو 14 ألف دعوى متعلقة بالعنف الأسري، معظمها ترتبط بالعنف الجسدي، فيما سجلت الوزارة في وقت سابق نحو 12 ألف حالة عنف منزلي خلال عام 2020.

كما كشف المركز عن معالجة 55 حالة تعنيف للأطفال في النصف الأول من عام 2022 فقط، ما يعكس استمرار وتصاعد هذه الظاهرة رغم الجهود المحدودة للحد منها.

  بين ضعف القانون والجهل المجتمعي..الاسباب

أرجعت الباحثة في حقوق الإنسان رقية عريبي تفشي ظاهرة العنف الأسري ضد الأطفال في العراق إلى جملة من الأسباب، في مقدمتها ضعف القوانين والتهاون في إصدار الأحكام الرادعة بحق الجناة، ما أدى إلى اتساع دائرة الانتهاكات بحق الأطفال.

وانتقدت عريبي غياب الدور الفاعل لمنظمات المجتمع المدني، مشيرة إلى ضعف مساهمتها في تعزيز حماية الأطفال، سواء من خلال حملات التوعية أو إقامة الندوات التربوية. كما لفتت إلى أن هذه المنظمات لم تنجح في ترسيخ شراكة حقيقية مع المؤسسات القانونية لتكوين جبهة ضغط قادرة على ردع الجناة ومنع تكرار الانتهاكات.

وأشارت إلى أن من بين الأسباب الأخرى، تفشي الجهل لدى العديد من العائلات، خصوصًا فيما يتعلق بضوابط الزواج ورعاية الأبناء بعد الطلاق. وقالت إن “تخلي بعض الأمهات عن أطفالهن وتركهم في عهدة الأب بعد زواجه من امرأة أخرى، قد يُعرض حياة الطفل للخطر ويزيد من احتمالية تعرضه للعنف”.

الحلول..تشديد القانون وتوسيع الوعي المجتمعي

وفي حديثها عن الحلول الممكنة، أكدت عريبي على ضرورة تحمّل السلطة التنفيذية لمسؤولياتها في حماية حقوق الطفل، من خلال تطبيق صارم لأحكام القانون وتنفيذ القصاص العادل بحق مرتكبي جرائم التعنيف، مع منع أي محاولات للمساومة أو التسوية العشائرية، ورفض إسقاط الدعاوى مقابل تعويضات مالية.

كما شددت على أهمية دور منظمات حماية الطفل في تكثيف جهودها عبر إطلاق برامج توعية تربوية يشرف عليها مختصون نفسيون واجتماعيون، يتم بثها عبر القنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي.
وأضافت: “تحويل قضية حماية الطفل إلى قضية رأي عام سيساهم في تشجيع المواطنين على التبليغ الفوري عن أي حالة عنف، دون تردد أو تخوف من المسؤولية”.