قمة بغداد ملائمة الواقع ام تكرار المواقف والخذلان
في مشهد عربي مأزوم تعصف به الحروب والأزمات الإنسانية، انعقدت القمة العربية الرابعة والثلاثون في بغداد، حاملة معها تطلعات لوقف نزيف الدم العربي، ومثيرة في الوقت ذاته جدلًا واسعًا بشأن جدواها وتكلفتها، وسط شكوك حول دوافعها السياسية والانتخابية.
القمة التي تزامنت مع استمرار المآسي في غزة والسودان وسوريا واليمن ولبنان وليبيا، اختُتمت ببيان ختامي شدد على دعم إيصال المساعدات الإنسانية وتعزيز الاستقرار في الدول المتضررة، إلا أن مراقبين رأوا أن هذه المخرجات لا ترقى إلى حجم الكارثة، ولا تختلف كثيرًا عن بيانات الإدانة المعتادة.
مخرجات واقعية أم خذلان مكرر؟

يرى الباحث رحيم أبو رغيف أن القمة كانت “واقعية إلى حد كبير”، مشيدًا بتحضيرات العراق التي وصفها بـ”المتميزة واللائقة”. واعتبر أن المخرجات جاءت منسجمة مع الظروف الاستثنائية التي تشهدها المنطقة، مؤكدًا أن بغداد قدمت صورة مشرفة عن التزامها بالقيم العربية وحقوق الإنسان.
من جهته، قال محمد البدري، المتحدث باسم مفوضية حقوق الإنسان العراقية، إن القمة شكلت محاولة عراقية للعب دور محوري في إدارة الأزمات، خصوصًا القضية الفلسطينية، معتبرًا أن إعلان العراق التبرع بأربعين مليون دولار لصندوق الإعمار في لبنان وغزة يمثل التزامًا عمليًا.
إلا أن هذه الرؤية لم تلقَ إجماعًا. فقد وصف علي الأعرجي، رئيس مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية والمعلومات، المخرجات بأنها “مواقف مكررة وتقليدية، خالية من الجرأة السياسية، ولا تواكب حجم المأساة”. وأضاف أن القمة كانت أقرب إلى “عرض إعلامي” منها إلى مشروع إنقاذي حقيقي.
تكاليف باهظة… وشعب مثقل بالأزمات

التقديرات الرسمية تشير إلى أن كلفة تنظيم القمة بلغت نحو 600 مليون دولار، ما أثار انتقادات حادة في الداخل العراقي، خاصة في ظل تردي الخدمات العامة وارتفاع مستويات الفقر.
وقالت أنسام سلمان، رئيسة منظمة “آيسن” لحقوق الإنسان، إن “التحضيرات كانت مبالغًا فيها، وكأن الهدف إظهار العراق بمظهر حضاري على حساب قضايا الداخل كالدولار، والكهرباء، وحرية التعبير”. وانتقدت ما وصفته بـ”غياب المعالجات الجادة للانتهاكات الأمنية والتراجع في الثقة الشعبية”.
حقوق الإنسان… شعار مرفوع أم التزام فعلي؟
القمة مثّلت أيضًا اختبارًا لمصداقية الخطاب العربي في الدفاع عن حقوق الإنسان، لكن التعليمات الأمنية التي صدرت أثناء انعقاد القمة أثارت مخاوف من تقييد الحريات، إذ أُغلقت الطرق، ومُنع التجمع، وأُلغيت بعض التظاهرات.
وفي هذا السياق، أشار البدري إلى أن “القيود الأمنية أضرت بالحقوق الدستورية، ونطالب الداخلية بمراجعة هذه الإجراءات”. وتابع: “نحن نحترم الحاجة إلى الأمن، لكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب حق التظاهر السلمي”.
دوافع القمة: انتخابية أم إنسانية؟
وسط التحديات التنظيمية والسياسية، تصاعدت تساؤلات حول الدوافع الحقيقية لعقد القمة في بغداد. واعتبر الأعرجي أن الحكومة العراقية استغلت الحدث كمنصة لتعزيز صورتها داخليًا وخارجيًا. وأضاف: “القمة قُدّمت كإنجاز سياسي يخدم القوى الحاكمة أكثر من خدمتها للمواطن العربي”.
من جهتها، اعتبرت أنسام سلمان أن “القمة فرصة انتخابية لحزب رئيس الوزراء السوداني لتعزيز حضوره الشعبي والسياسي”، فيما رأى البدري أنها قد تمهد لتأسيس مواثيق عربية أكثر التزامًا بحقوق الإنسان، داعيًا إلى البناء على هذه المبادرة.
غيابات وانسحابات تعكس الانقسام

لم تخلُ القمة من خلافات دبلوماسية، فقد انسحب ممثلو قطر والإمارات قبل إلقاء كلماتهم، كما غاب عدد من القادة العرب، مرسلين وفودًا نيابة عنهم. واعتبر محللون أن هذا مؤشر على غياب التوافق العربي، وانعكاس لحجم الانقسام الإقليمي.
وفي هذا السياق، تساءل الأعرجي: “كيف يمكن لقمة أن تضع حدًا لنزيف السودان وهي عاجزة حتى عن الاتفاق على توصيف ما يجري هناك؟”.
رمزية الحدث بين الشكوك والآمال
رغم الانتقادات، لا تزال بعض الأصوات ترى في القمة خطوة رمزية ضرورية. وعلّق أبو رغيف قائلًا: “ليس المهم البيان الختامي، بل الإرادة في تفعيل مخرجاته”، مؤكدًا أن القمة منحت بغداد فرصة لاستعادة دورها القيادي.
لكن الأعرجي اعتبر أن “المخرجات لم تكن بمستوى التكاليف ولا التوقعات، ولم تحدث اختراقًا سياسيًا حقيقيًا”، مشيرًا إلى أن النظام العربي ما زال رهينة الخلافات وتصفية الحسابات.
قمة بغداد: حضور متفاوت واختبار للدور العراقي

انطلقت صباح اليوم السبت في العاصمة العراقية بغداد أعمال الدورة الرابعة والثلاثين للقمة العربية، بمشاركة ممثلين عن 22 دولة عربية، وسط إجراءات أمنية مشددة وتنظيم مكثف.
ورغم توجيه العراق دعوات رسمية إلى معظم القادة العرب، إلا أن الحضور اقتصر في معظمه على وزراء وممثلين رفيعي المستوى، في حين شارك عدد محدود من الرؤساء بشكل مباشر.
انعقدت القمة تحت شعار “حوار وتضامن وتنمية”، في ظل آمال عربية بوضع رؤية موحدة لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تمر بها المنطقة، وتعزيز مسيرة التعاون العربي المشترك.
وتُعد هذه القمة الأولى التي يستضيفها العراق منذ أكثر من 13 عاماً، بعد قمة عام 2012، والرابعة في تاريخه بعد قمم أعوام 1978 و1990 و2012، وتأتي في ظل ظروف إقليمية ودولية معقدة.
ورغم التحديات، تبقى قمة بغداد محاولة لإعادة الدور العراقي في المحيط العربي، وسط اختبار حقيقي لمدى التزام الدول المشاركة بتحويل البيانات والتوصيات إلى ممارسات واقعية تنهض بالأمن وحقوق الإنسان في المنطقة.