قصة حب لا تبرد: الشاي والاحتجاجات في صيف العراق الملتهب
تقترب درجات الحرارة في العراق خلال شهور الصيف، وتحديدًا في يوليو وأغسطس، من حاجز الخمسين درجة مئوية. ورغم هذا القيظ اللاهب، لا يكاد يمر عام من دون أن نشهد في هذين الشهرين احتجاجات متكررة يشارك فيها مختلف أطياف السياسة والمجتمع العراقي. لكن ما يجمع الجميع، على اختلاف مطالبهم، أمران لافتان: شرب الشاي الساخن والتظاهر.
الساعة الثانية عشرة ظهرًا، والحرارة تقترب من نصف درجة الغليان، فيما تغص بعض ساحات البصرة جنوب العراق بالمحتجين. سببهم هذه المرة أزمة المياه والكهرباء التي تتكرر كل صيف. يحمل المتظاهرون لافتات وعبارات ساخرة عن صيف العراق الملتهب، وعن شح المياه وتفاقم أزمة تلوثها.
وبعد أيام قليلة من احتجاجات المياه، خرج العشرات في قلب العاصمة بغداد على خلفية الجدل الذي أثارته وفاة الطبيبة بان زياد.
تتغير أماكن الاحتجاجات، لكن درجة الحرارة تبقى ثابتة في يوليو وأغسطس، لتتكرر معها المظاهرات عامًا بعد عام منذ بداية الصيف وحتى نهايته، وكأن العراقيين يجدون في التظاهر تحت أشعة الشمس الحارقة طقسًا موسميًا لا يفوتونه.
“عصير الحياة “
يقف محمد، البالغ من العمر 29 عامًا، أمام بَسْطة صغيرة (كشك على الرصيف) لبيع الشاي في شارع الكرادة وسط بغداد. يرى البائع الشاب أن الشاي بمثابة “عصير الحياة” لدى العراقيين، باعتباره طقسًا يوميًا لا تمر ساعاته دون احتساء رشفة من الشاي الساخن لمعادلة حرارة الصيف اللاهبة.
يقول محمد إن شرب الشاي عادة رافقته منذ الصغر، وإن شعورًا لا إراديًا يتملكه كلما ارتفعت درجة الحرارة، وكأن كوب الشاي يساعده على نسيان هموم الحياة الطويلة في العراق.
ويستهلك العراقيون كميات كبيرة من الشاي؛ إذ تصدّر العراق قائمة مستوردي الشاي السيلاني عام 2021. وتقول إحصاءات اللجنة الدولية للشاي إن المواطن العراقي يستهلك نحو 500 غرام من الشاي سنويًا، مقابل معدل عالمي يبلغ 200 غرام فقط.
تمضية الوقت، أو ربما تضييعه، أثناء إعداد الشاي قد تكون تفسيرًا لحالة الحب العراقية لهذا المشروب. يقول سرمد مروان، 40 عامًا، إن الشاي منبّه يدفعه للعمل ويساعده على تحمل حرارة الصيف، مشيرًا إلى أن إعداد كوب الشاي أثناء العمل يمنحه دقائق من الاستراحة، وتزداد حاجته إليه كلما ارتفعت درجات الحرارة، وكأن حرارة الكوب تعينه على نسيان غليان الشمس.
جذور الشاي .. من الشرق الى بغداد
الشاي مشروب صيني عريق. ووفق منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، يُقال إن اكتشافه كان بالصدفة عام 2727 قبل الميلاد، عندما كان الإمبراطور شين نونغ يغلي الماء تحت شجرة فسقطت منها ورقة جافة في الإناء، فأعجب بطعمها وأصبح الشاي جزءًا من الثقافة الصينية قبل أن ينتقل إلى بقية أنحاء العالم.
أما في العراق، فيُقدَّم الشاي في أوعية زجاجية صغيرة توضع على صحن صغير، وتُعرف باسم “الاستكان”. ويُروى أن أصل الكلمة يعود إلى الهند، حيث يُطلق على الكوب اسم “بيالة”. ومع وجود الجنود البريطانيين في الهند خلال فترة الاستعمار، حمل بعضهم هذه الأوعية كهدايا إلى بلدهم. وعندما دخل الاستعمار البريطاني العراق، رافقته وحدات من الجنود الهنود الذين جلبوا معهم عادة الشاي وأكوابه. ويقال إن العراقيين دمجوا عبارة “East Tea Can” (وعاء الشاي الشرقي) في كلمة واحدة لتصبح “استكان”، رمزًا للكوب الصغير الذي سرعان ما انتشر في المقاهي والبيوت العراقية، مدعومًا برخص ثمنه وسهولة تحضيره.