على إثر إزالة الدور المتجاوزة في البصرة.. العيداني يواجه السوداني ويصف قراره بـ(سابقة خطيرة)

بغداد – عابر

تفاعلت قضية إزالة الدور المتجاوزة في محافظة البصرة لتتحول من مشهد إنساني مؤلم إلى أزمة سياسية وقانونية، أدّت إلى فتح فصل جديد من التوتر السياسي والإداري بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، شهده العراق. وقد تمثل ذلك في النزاع العلني بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ومحافظ البصرة أسعد العيداني حول ملف إزالة “التجاوزات السكنية”، في وقت يزداد فيه القلق الشعبي بشأن أزمة السكن المتفاقمة، التي تهدد بقاء آلاف العائلات في منازلها

بدأت الأزمة مع تداول مقاطع مصورة من محافظة البصرة تُظهر مواطنين في أحد الأحياء العشوائية وهم يتوسلون لوقف عمليات إزالة بيوتهم. وانتشرت المشاهد بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع رئيس الوزراء إلى إصدار توجيه عاجل لمكاتب المحافظات بوقف حملات إزالة المنازل المتجاوزة، ما لم يتم توفير بديل سكني للعائلات المتضررة.

حصلت “عابر” على نسخة من التوجيه الرسمي، الذي برر فيه السوداني قراره بـ”مراعاة الوضع الإنساني للعائلات الفقيرة التي تقطن هذه البيوت”، مؤكدًا على أن الإجراءات يجب ألا تؤدي إلى تشريد المواطنين أو تعريضهم للخطر.

رد فوري من العيداني

في غضون ساعتين، جاء الرد من محافظ البصرة أسعد العيداني رافضًا تنفيذ توجيه رئيس الوزراء، معتبراً إياه “غير ملزم” لحكومات المحافظات. وقال العيداني في بيان تلقته “عابر” إن “العراق دولة اتحادية، وتوجيهات الحكومة المركزية لا تُعد أوامر نافذة على المحافظات”، مضيفًا أن “المحافظ يُنتخب من قبل مجلس المحافظة، ولا يُعد موظفًا تابعًا للحكومة الاتحادية”.

وذهب العيداني إلى أبعد من ذلك، إذ وصف توجيه السوداني بأنه “مجاملة سياسية”، واعتبره “سابقة خطيرة قد تشجع على التعدي على الأملاك العامة والخاصة”، مستندًا إلى المادة 154 من قانون إزالة التجاوزات، التي تنص على ضرورة تنفيذ الإزالة دون تأخير.

انسحاب سرايا السلام

على خلفية هذا التصعيد، أصدرت قيادة سرايا السلام بيانًا مثيرًا، وجهت فيه منتسبيها العاملين في دوائر البلدية وفرق إزالة التجاوزات بتقديم طلبات نقل فوري إلى أقسام أخرى. وجاء في البيان، الصادر عن قائد الفرقة الثالثة في البصرة محمد الرويمي، أن القرار جاء “لمنع استغلال اسم السرايا وصور زعيم التيار الصدري  مقتدى الصدر في حملات الإزالة”، كما أمر برفع جميع صور آل الصدر من مكاتب وأليات دوائر البلدية في المحافظة.

أزمة سكن تتفاقم

الخلاف الإداري والسياسي يحدث في ظل أزمة سكن خانقة، إذ تشير بيانات حديثة منسجمة مع نتائج التعداد السكاني لعام 2024 إلى أن العراق بحاجة إلى أكثر من 4 ملايين وحدة سكنية لتغطية الحاجة الفعلية. هذا الواقع يسلط الضوء على عمق الإخفاق الحكومي في إدارة ملف السكن لعقود.

وفي حديثه لـ”عابر”، أوضح المستشار العقاري علي حسن أن “ظاهرة التجاوزات، رغم آثارها السلبية على التخطيط العمراني، إلا أنها نتيجة مباشرة لسوء إدارة ملف السكن”، مضيفًا أن “إزالة البيوت من دون بديل تمثل نقلًا للمشكلة من حي إلى آخر، وليست حلاً حقيقياً”.

الإجراءات الحكومية لم تفِ بالغرض

يشير حسن إلى أن المحاولات الحكومية السابقة لحل أزمة السكن كانت محدودة، واعتمدت على إنشاء مجمعات استثمارية بأسعار باهظة، خارج قدرة أصحاب الدخل المحدود. ويضيف: “المجمعات السكنية حتى الحكومية منها، لا تستهدف الطبقة المتوسطة أو الفقيرة. يُطلب من المواطن دفع عشرة ملايين دينار كل ثلاثة أشهر على الأقل، وهو أمر لا يمكن تحمله من قبل الموظف العادي”.

من جهته، يرى الدكتور محمد أوچي، المهتم بالشأن العام، أن معظم المجمعات السكنية التي أُنشئت في السنوات الأخيرة “مخصصة للأثرياء أو أصحاب رؤوس الأموال، وتُستخدم أحيانًا لتدوير المال السياسي غير المعلن”. وأردف قائلاً: “حتى الطبيب لا يستطيع شراء وحدة سكنية في هذه المشاريع، ناهيك عن الشباب والخريجين الجدد”.

حق دستوري مهدور

المادة 30 من الدستور العراقي تكفل “توفير السكن اللائق لكل مواطن”، وهو ما لا يتحقق اليوم في ظل التفاوت الطبقي الحاد، وغياب استراتيجية إسكانية شاملة. ويؤكد الخبراء أن حل الأزمة يتطلب إنتاج ما لا يقل عن 400 ألف وحدة سكنية سنويًا ولمدة عقد على الأقل.

ازدواجية المعايير… وتسييس الأراضي

في ختام حديثه، أشار الدكتور أوچي إلى “معايير مزدوجة” في تنفيذ الإزالات، قائلاً: “لا أحد يعرف لماذا تُزال تجاوزات معينة وتُترك أخرى. بعض العشوائيات نشأت برعاية قوى سياسية نافذة لتكون قواعد انتخابية لها”، في إشارة إلى ما يُقدّر بنحو 5 آلاف منطقة عشوائية في العراق، يسكنها نحو 10% من السكان.

وأضاف: “من يريد أن يعيش حياة كريمة في العراق دون أن يكون فاسداً، عليه أن يعمل صباحًا كموظف حكومي، وعصرًا في القطاع الخاص، ويؤسس مشروعًا جانبيًا ليتمكن من تأمين سكن وحياة مستقرة”