عقارات المسيحيين في العراق .. مستباحة بسطوة السلاح والتطرف

قبل أيام قليلة أُجبرت عائلات مسيحية في مدينة الكرادة، وسط العاصمة العراقية بغداد، على مغادرة منازلها، بعد وصول تهديدات من جهات مجهولة، ترافقها قوات أمنية، بحجة تنفيذ أوامر إخلاء، بحسب شهادات لمدوّنين تناقلتها وسائل إعلام محلية.

الواقعة فتحت ملف معاناة المسيحيين في العراق خلال السنوات الأخيرة، ما تسبب في تقليص أعدادهم بنسب كبيرة، وفقا لإحصائيات غير رسمية لمنظمات معنية بالأقليات.

ومن نحو 1.5 مليون نسمة في عام 2003، أصبح العدد في الوقت الراهن أقل من 400 ألف فقط، بسبب تصاعد أعمال العنف ضدهم، وفق الإحصائيات.

هذا الواقع، أجبر مئات الآلاف من المسيحيين على مغادرة العراق، نتيجة لما تعرّضوا له من عمليات استهداف وتهجير وتطرف وسرقة وسطو، مثل الأقليات الدينية الأخرى التي عانت الأمر نفسه. العمليات الممنهجة ضد المسيحيين في العراق المستمرة منذ أكثر من عقدين، وضعت حاجزا بين المجتمع العراقي والتنوع الديني، فما وضع المسيحيين العراقيين الآن؟

مصدر الصوةر : وكالات

تهجير وسط العاصمة

بالعودة الى حادثة العوائل المسيحية التي هجرت في الكرادة بحسب وسائل إعلام محلية، فإن السبب وراء إجبار عائلات مسيحية في مدينة الكرادة على مغادرة منازلها، يعود لادعاء جهات مجهولة بأن العقارات التي يقطنونها تابعة للأوقاف الدينية.

وفتحت الكنائس القريبة أبوابها لاستقبال المسيحيين المطرودين من منازلهم، بدلا من البقاء في الشوارع، وساعدتهم على نقل أغراضهم واللجوء إليها، وسط اتهامات من مدوّنين لـجماعات مسلحة ، بالوقوف وراء هذه العملية.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، يتهم البعض متنفذين ومسلحين بالوقوف وراء تلك الحوادث .

ولا تعد عمليات التهجير التي حدثت في الكرادة هي الأولى، فقد سبقتها مئات الحالات الأخرى في العاصمة وباقي المحافظات، وتم فيها الاستيلاء على عقارات مملوكة لهم بعمليات تزوير أو إجبار بقوة السلاح، في عمليات بدأت منذ عام 2003 اشترك بها أعضاء تنظيم القاعدة الذين كانوا يضعون حرف “ن” بمعنى نصارى على بيوت المسيحيين، وتخييرهم بين إعلان إسلامهم عنوة، أو مغادرة المنزل وتسليمه لهم، بحسب عوائل تعرضت لهه الحوادث.

وبعد ذلك، بدأت جماعات مسلحة باستغلال سطوتها لتزوير المستندات الرسمية وتحويل ملكية تلك العقارات إليهم، مستغلين سفر الكثير من المسيحيين خارج العراق وضمانهم عدم قدرتهم على استردادها، خوفا من بطش المسلحين واستضعاف الأقليات في البلاد.

الصورة من الارشيف

استيلاء بالقوة والسطوة المسلحة

المسيحية العراقية بيرونا عادت إلى بلادها عام 2019 لزيارة قبر والديها، بعد أن غادرت في سبعينيات القرن الماضي، لكنها فوجئت أن منزل عائلتها في وسط العاصمة بِيع بعقد مزور منذ عام 2012.

بيرونا، البالغة 69 عاما، قالت في وقت سابق  إن شخصا زوّر توقيعها وكذلك إخوتها في الدوائر الرسمية، وأصبح منزلها مملوكا لآخرين، ولم تستطع أن تعيش به بعد عودتها، أو أن تستفيد من بيعه.

وتضيف بيرونا بحسرة: “عمي هُجّر رغما عنه عام 2007 بأوامر من تنظيم القاعدة، وتُوفي بحسرته على منزله الذي تركه بعد ذلك، وأنا ذقت المُر ذاته عندما سرق منزل ذكرياتي وبيع 3 مرات”.

ما مرّت به بيرونا عاشه صلاح غزالة وزوجته اللذان يعيشان حاليا في الولايات المتحدة، حيث يملك غزالة منزلا في أحد أرقى أحياء العاصمة “زيونة”، غادره في عام 2000، وترك فيه حارسا، لكنه علم من أقاربه أن المنزل قد بيع عام 2018 بعقد مزور.

وبعد استفسار غزالة عرف بأن من قام بعملية التزوير والاستيلاء على المنزل هو أحد المنتمين إلى جماعة مسلحة معروفة تنشط في المنطقة، ورغم تحركه وتوكيل محامٍ وإيقاف معاملة البيع، لم يستجب الشخص المستولي على المنزل، وظل مسيطرا عليه.

ويقول غزالة  إنه بعد شهر من توكيله، اتصل المحامي به، وأبلغه أنّه تعرّض للضرب والتهديد وتمّت سرقة حقيبته، معتذرا عن استكمال القضية، لتنتهي القصة عند هذا الحد.

الاف العقارات تم الاستلاء عليها في عموم العراق

مصدر الصورة : وكالات

لا توجد إحصائية رسمية حول عدد العقارات العائدة للمسيحيين التي تم الاستيلاء عليها من قبل المسلحين والمتنفذين والإرهابيين، لكن رئيس أساقفة أبرشية أربيل، المطران بشار وردة، قال إن هناك أكثر من 25 ألف عقار صُودرت في عموم مناطق العراق.

وقال وردة إنه لا يمكن إحصاء الأمر بشكل دقيق، نظرا إلى أن ذلك مسؤولية الدولة، ولا تملك الكنيسة الأدوات التي تمكّنها من القيام بإحصاء رسمي حول العقارات التي تمت مصادرتها من المسيحيين.

وأشار المطران إلى أن هناك قرابة 400 ألف مسيحي فقط من أصل مليون ونصف المليون كانوا يعيشون في العراق قبل 2003، وذلك نتيجة لعمليات الاستهداف المتكررة ضدهم.

من جانبه، قال النائب السابق، جوزيف صليوا ، إن العدد أكثر من 60 ألف عقار تم الاستيلاء عليها في جميع المحافظات، عدا إقليم كردستان، مشيرا إلى أن أغلبها في محافظات الوسط والجنوب التي لم يدخلها تنظيم داعش.

ولمحاربة هذه الظاهرة، أصدرت الحكومة العراقية إجراءات عدة، كان آخرها تشكيل لجان تمنع بيع العقار دون وجود من يمثّل أوقاف المسيحيين.