العراق منقسم حول التعامل مع الشرع بين إرث الماضي وحاضر “الأمر الواقع”

لم يعلن العراق أي موقف رسمي حول تنصيب أحمد الشرع رئيسا انتقاليا لسوريا، لكن بعض المواقف السياسية لقادة بارزين في الإطار التنسيقي ، اختارت مهاجمته واتهامه بالإرهاب.

هذه المواقف ولّدت جدلا سنيا-شيعيا حول طبيعة تعامل العراق مع الوضع الجديد في سوريا ، ما طرح تساؤلات عن مستقبل دعوة الشرع إلى مؤتمرات إقليمية وعربية في بغداد تستدعي تمثيل سوريا فيها.

ووفق محللين فإن العراق لا يملك خيارات كثيرة في التعامل مع سوريا الجديدة، خاصة أن بعض دول الجوار التي رحبت بالشرع رئيسا للمرحلة الانتقالية، قد تشترط مشاركة الأخير مقابل مشاركتها في أي مؤتمر مرتقب في بغداد. فهل ستوجه دعوة إلى الشرع لزيارة بغداد رئيسا انتقاليا بعد أن غادرها إرهابيا مطلوبا؟ وما موقف قادة العراق من حضوره بعد اتهامه مرارا وتكرارا بقتل العراقيين؟

المالكي عن النظام السوري الجديد “فتنة كبرى ”

مع غياب الموقف الرسمي الحكومي في العراق، وعدم التهنئة بتنصيب الشرع رئيسا للمرحلة الانتقالية في سوريا على غرار عربية اخرى ، فإن أحد أبرز قادة الإطار التنسيقي ، خرج في مؤتمر وهاجم بشكل صريح الإدارة السورية الجديدة متهما إياها بالإرهاب، وأنها فتنة كبرى ستنجر على بغداد، وستكون لها عواقب وخيمة.

زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، قال خلال حضوره مؤتمرا عشائريا في كربلاء بداية الشهر الحالي، إن سوريا قد دخلت في “فتنة كبرى” تشبه تلك التي حدثت في التاريخ الإسلامي، مثل فتنة مقتل الإمامَيْن الحسين وعلي بن أبي طالب -عليهما السلام – ، متهما الجماعات المسلحة التي تسيطر على البلاد بأنها “إرهابية”، وأنهم كانوا سجناء سابقين في العراق.

كما أشار إلى أن هذه “الفتنة” ستكون لها عواقب وخيمة على العراق، قائلاً: “إذا وقعت الفتنة فستكون لها تبعات كبيرة، ويجب أن نكون حذرين”.

تصريحات المالكي خلقت جدلا سياسيا شيعيا-سنيا، إذ عدها بعض السياسيين السنة بأنها “ضمن خانة الطائفية”.

وفي الوقت الذي أيّد فيه مدونون قريبون من الإطار والفصائل المسلحة ما جاء على لسان المالكي، خرج سياسيون سنّة للرد عليه. ومنهم مشعان الجبوري الذي وصف التصريحات بالطائفية والانتخابية.

وقال الجبوري في تغريدة على موقع “X”: “البعض يحاول استغلال ما حصل في سوريا لإثارة الطائفية، وجر المجتمع إلى صراع طائفي، كل ذلك من أجل مكاسب انتخابية”، مضيفا: “يستغلون البسطاء والجهلة في لعبة خطيرة لا رابح فيها”.

موقف “رمادي”

مهاجمة القادة الشيعة للإدارة السورية الجديدة وغياب الموقف الرسمي، يأتيان في وقت تعتزم فيه بغداد استضافة القمة العربية ومؤتمرا لدول الجوار، ومعه تطرح الكثير من التساؤلات والتكهنات حول دعوة الإدارة السورية الجديدة وعلى رأسها الشرع لحضور تلك الاجتماعات.

المحلل السياسي علي البيدر وصف الموقف الحكومي بـ”الرمادي” من التطورات الحاصلة في سوريا، بعيدا عن كل المواقف السياسية التي لا تُعد رسمية، بحسب البيدر.

وقال البيدر إن “العراق لا يملك خيارات كثيرة في التعامل مع سوريا الجديدة”، موضحا أن “أمام الحكومة خيارين لا ثالث لهما: إما المقاطعة وإما التعامل وفق براغماتية عالية بعيدا عن أيديولوجية المشهد السوري الجديد، أو المواقف السياسية الداخلية على غرار الأطراف الإقليمية وتعاملها مع الحكم الجديد في سوريا”.

وحول دعوة الشرع والإدارة السورية الجديدة للاجتماعات العربية والإقليمية المنتظر عقدها في بغداد، يرى البيدر أن “العراق لا يمتلك خيارا آخر سوى دعوة الشرع”، منوها إلى أن “بعض الدول قد تشترط مشاركة الشرع مقابل مشاركتها، وتفرض وجود الإدارة السورية الجديدة فيها بغض النظر عن التحفظات العراقية”.

تريث لا قطيعة

القيادي في الإطار التنسيقي الحاكم، محمود الحياني، بيّن في تصريح صحافي أن “العراق لم يقدم التهاني إلى أحمد الشرع، لتسلمه رئاسة سوريا، بسبب وجود ملاحظات وإشكاليات على الشرع نفسه، وكذلك بحق أشخاص آخرين ضمن حكومته، خصوصاً أن عليهم قضايا إرهابية داخل العراق، وكانوا مع الإرهاب ضد العراق والعراقيين خلال السنوات الماضية”، بحسب البيان.

وأضاف الحياني أن “العراق ليس ضد تغيير النظام في سوريا إطلاقاً، وإنما لديه ملاحظات على بعض شخوص هذا النظام، وعدم التهنئة لا يعني القطيعة الدبلوماسية ما بين بغداد ودمشق، بل العلاقة مستمرة، وهناك تواصل مستمر، خاصة فيما يتعلق بالجانب الأمني لتأمين الحدود وإبعاد أي مخاطر إرهابية عن العراق خلال المرحلة المقبلة”.

كما قال عضو الخارجية النيابية مختار الموسوي، في تصريحات صحافية بداية الشهر الحالي، إن “العراق يرى أن موضوع الأمن والاستقرار في سوريا أمر بالغ الأهمية، وأن أي اعتداء على المقدسات الإسلامية يُعد خطراً كبيراً”، مشيراً إلى أن “العراق يتأنّى في تهنئة الشرع في الوقت الحالي، إلا إذا تأكد من توجهات من يقود زمام الأمور في دمشق، خاصة فيما يتعلق بتطبيق ما تم إعلانه بعد السيطرة على دمشق”.

ماضي الشرع يعقد العلاقة

وتجنّب العراق بشكل عام التعامل بشكل مباشر مع الإدارة السورية الجديدة بإدارة الشرع. واكتفت بغداد إلى الآن بإيفاد وفد رسمي برئاسة رئيس جهاز الاستخبارات العراقي حميد الشطري في 26 ديسمبر العام الماضي، إلى سوريا، حيث التقى الشرع في قصر الشعب بالعاصمة دمشق، وبحث معه جملة ملفات مشتركة.

ووفق وسائل إعلام عراقية فإن تاريخ الشرع الماضي في العراق، يجعل هناك خطوطا حمراء على كيفية التعامل مع الشرع بصفته.

ودائما ما تذكّر أطراف سياسية شيعية بماضي الشرع في العراق، حيث كان وصول أبو محمد الجولاني (الشرع)، أولاً إلى العراق قبل بداية الغزو الأميركي عام 2003 بنحو أسبوعين، وسكن في الموصل فترة، وعمل مقاتلا مع تنظيم القاعدة الارهابي تحت قيادة أبومصعب الزرقاوي ثم خلفائه من بعده، قبل أن تقبض عليه الولايات المتحدة الأميركية، وتودعه سجن أبوغريب، ومن هناك نقلته إلى سجن بوكا، ومن ثم سجن كروبر في مطار بغداد.

سلمته أميركا لاحقا إلى الحكومة العراقية، التي وضعته في سجن التاجي، ومن هناك أطلق سراحه عام 2008، وكان مجموع فترة اعتقاله 5 سنين.

“الجولاني” الذي ترأس هيئة تحرير الشام المصنفة منظمة إرهابية، قاد العمليات العسكرية في الحرب السورية قبل الإطاحة بنظام بشار الأسد.