التغيرات المناخية تفتك بجنات عدن وتهجّر ربع سكان الأرياف في العراق

وسط أرض جرداء يقف حمزة النوفلي، 65 عاما، مستذكرا كيف كانت هذه الأرض بالأمس نهرا ينبض بالحياة ويغذّي أهوار الحويزة في البصرة، ويمثل مصدر رزق له ولعائلته وللدواب التي يعيش عليها.

لا يشغل تفكير النوفلي اليوم سوى الهجرة خوفا من خسارة كل شيء بعد أن نفدت الحلول إثر الجفاف وصمت الدولة.

النوفلي يعيش في قرية فقيرة تُسمّى نهر العز، تقع عند هور الحويزة الواقع على الحدود الجنوبية للعراق مع جارته الشرقية إيران. اختفى النهر، وتحوّلت مستنقعاته إلى أرض جافة قاحلة، يفكر أغلب ساكنيها في الرحيل بعد أن كان مقصدا سياحيا.

خسر عبد عمله في الصيد ومات بعض دوابِّ الجاموس التي يعيش عليها، وبات اليوم هو وآلاف العوائل التي تسكن في تلك القرية والأهوار يخشون من الجفاف، كما يشكو أنه “لم يتبقى لدينا سوى هذه الزوارق التي يستخدمها للصيد بقيَت على الأرض دون ماء، لا أحد يهتمّ بنا أو عوائلنا ونسائنا وأطفالنا، لقد متنا من العطش”.

الاهوار تتقلص

وكحال البصرة فإن أهوار الناصرية وأراضيها عانت هي الأخرى من آثار خطيرة للتغيرات المناخية، أدت لهجرة الفلاح وخراب الأرض.

يقول الرئيس السابق لجمعية الفلاحين في محافظة ذي قار جنوب العراق، إبراهيم حسن الشاهر، إن التغير المناخي تسبب في عدم استقرار حياة الفلاحين في الاهوار و الأرياف ما دفعهم إلى الهجرة باتجاه المدن بحثاً عن لقمة العيش.

ويضيف أن أكثر من 40% من القرى والأرياف في حدود محافظة ذي قار أصبحت “مهجورة” بسبب تغير المناخ، وانخفضت أعداد الجمعيات الفلاحية التي كانت تبلغ سابقا 93 جمعية إلى النصف خلال السنوات القليلة الماضية.

أما الفلاحون، فقد هاجروا مع عائلاتهم من هذه القرى، ويشكلون اليوم غالبية سكان المناطق العشوائية عند أطراف الناصرية، لأنهم لا يمتلكون الأموال لشراء بيوت في المدينة أو دفع الإيجار.

ربع سكان الأرياف يهجرونها

ووفق نتائج تقييم قابلية التأثر بالمناخ الذي أجرته المنظمة الدولية للهجرة في وسط وجنوب العراق ما بين يناير 2016 وأكتوبر 2022، فأن تغير المناخ والتدهور البيئي أسهم في نزوح قرابة 55,290 فرداً من سكان المناطق التي شملها التقييم، أي نحو 15% من السكان الأصليين لهذه المناطق.

ونظرا للارتفاع الملحوظ في الهجرة البيئية فمن المتوقع أن يتفاقم هذا الاتجاه، لا سيما في ظل عدم وجود استراتيجيات كافية للتخفيف والتكيف كما يقول التقييم .

التغيرات المناخية تفتك بجنات عدن

أُدرجَت الأهوار على لائحة التراث العالمي من قِبل اليونسكو عام 2016، لكنها اليوم مساحات قاحلة هجرها الكثير من سكانها، والسبب هو الجفاف والغياب شبه التام للأمطار خلال السنوات الأخيرة، وكذلك انخفاض مستوى المياه المتدفقة من الأنهار التي تنبع من دولتي الجوار إيران وتركيا، ما أرغم بغداد على تقنين استخدام احتياطاتها.

وحذرت منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة (فاو) في تقرير نشر منتصف يوليو 2022 من أن الأهوار باتت واحدة من أفقر المناطق في العراق، وإحدى أكثر المناطق تضررا من تغير المناخ ونقص المياه. وأشارت إلى أن بها آثارا كارثية أصابت سُبل عيش أكثر من ٦ آلاف أسرة ريفية، إذ إنها فقدت جواميسها التي تُعَدّ مصدر رزقهم الوحيد

تمتدّ أهوار العراق بين نهرَي دجلة والفرات، وكانت توصف بـ”جنّات عدن على الأرض” لكن هذه الأرض الغنية بالحياة تحولت اليوم إلى صحراء قاحلة، وتعرضت لجفاف متكرر نتيجة الاحتباس الحراري الذي ألقى بظلاله على الإنسان والحيوان والنبات.

ونتيجة لشُحّ المياه وارتفاع درجات الحرارة، نفقت نحو 750 جاموسة في أهوار الجبايش في محافظة الناصرية وحدها خلال العام الماضي.

الجفاف ينهش بأراضي العراق الزراعية

في الجهة الأخرى، تقول وزارة الزراعة العراقية إنّ التصحر طال 70% من الأراضي الزراعية في البلاد كما أنّ وزارة الزراعة أوضحت أنها اضطرت إلى تخفيض خطتها الزراعية إلى أقل من النصف، نتيجة لشح المياه وتأثيرات الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية.

ويشير رئيس الجمعيات الفلاحية في العراق حسن التميمي في تصريحات صحفية إلى أن الأراضي الزراعية التي خرجت عن الحسابات الزراعية تجاوزت 13 مليون دونم خلال السنوات الماضية بسبب نقص المياه والتغيرات المناخية، مما انعكس على الفلاحين وخلق البطالة وأثر في الثروة الحيوانية للبلد بشكل كبير.

ويقول المنسق العام لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية الدكتور هادي هاشم إنّ التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية وعوامل أخرى ألقت بظلالها على هجرة المزارعين لأراضيهم ومغادرة حظائرهم وترك تربية الثروة الحيوانية.

ويعتبر العراق، وفق الأمم المتحدة، خامس البلدان الأكثر تعرضاً للتدهور المناخي عالمياً، نظراً للظواهر المناخية العنيفة التي تعصف به منذ نحو ١٠ سنوات.

ووفقا لتقرير صدر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ووزارة الزراعة العراقية في يوليو 2023، فإن الجفاف الحالي هو الأسوأ منذ 40 عاما. والحياة البرية الغنية في المنطقة، بما في ذلك العديد من الطيور المهاجرة عرضة للخطر، كما يضطر مربو الجواميس والمزارعون إلى الهجرة في ظروف محفوفة بالمخاطر إلى المناطق الحضرية مثل البصرة والنجف وبغداد.