“الابتزاز ” آفة مستشرية تلاحق فتيات العراق، وتدفعهن إلى الانتحار أو المجهول
حاولت الشابة العراقية، أ. ب، الانتحار، عندما وجدت نفسها أمام قصتها المعقّدة، وفق ما تروي.
فهي لا تستطيع العودة إلى منزل أهلها في بغداد بعد خروجها من مركز الشرطة المجتمعية في العاصمة، والذي لجأت إليه بعد هروبها من منزلها لتخليصها من المبتز الإلكتروني الذي طاردها للحصول على الأموال، مقابل عدم نشر صور خاصة لها.
بدأت حالة هذه الشابة والعديد من الحالات المشابهة، تنتشر بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة. فكانت وراء انطلاق حملة رسمية لمكافحة الابتزاز الإلكتروني ينفذها جهاز الأمن الوطني العراقي والشرطة المجتمعية.
الحملة تأتي في ظل دعوات لتشريع قانون متخصص في جرائم الابتزاز والجرائم الإلكترونية في شبكة الإنترنت، بعد إلقاء القبض على أكثر من 600 مبتز خلال النصف الاول من العام الماضي وفق جهاز الامن الوطني .
الشرطة المجتمعية عالجت أكثر من ٣ أضعاف هذا العدد في حصيلة نصف سنوية، وألقت القبض على على المتورطين بهذه العمليات، التي تؤدي بحسب مختصين إلى الانتحار أو الطلاق في كثير من الأحيان.
“أحنة بظهركم ” لمواجهة آفة الأبتزاز
تشرح الشابة العراقية أ. ب، التي طلبت عدم ذكر اسمها، أنه رغم “انتهاء مشكلتها”، إلا أنها لا تزال تواجه تهديدا بالقتل، بعد تعرضها للابتزاز طوال ٣ أشهر من شخص حصل على صور خاصة لها، بعد دخولها في علاقة عاطفية معه، مضيفة أنه “حاول الحصول على أموال منها مقابل عدم نشر الصور”
الضحية تعاني اليوم من نبذ عائلتها لها، رغم إبلاغ الجهات المختصة لهم أن كومبيوتر ابنتهم “تعرض للاختراق، وتسربت منه صور حساسة”، لكن كل هذا لم يكن كافيا لإقناعهم بمسامحتها.
جهاز الأمن الوطني العراقي شنّ حملة أمنية لمكافحة الابتزاز الإلكتروني بهدف دعم الضحايا أبتدأت منذ عامين ،جهاز الأمن يستهدف بحملته التوعية طالبات المدارس الإعدادية والمتوسطة تحت شعار “إحنة بظهركم”.
وفي نهاية العام الماضي إغلن الجهاز أن حملته استهدفت ١٠٠ ألف طالبة .
الجهاز ذكر في بيان انه :” أستهدف خلال حملة “إحنا بظهركم” التي دخلت عامها الثاني قرابة ١٠٠ ألف طالبة في ١٣٤ مدرسة موزعة على خمس محافظات”.
واضاف :” خلال هذه الحملة تسلم جهازنا ١٤٠ حالة ابتزاز تعرضت لها الطالبات، وتمكنت مفارزنا ، استناداً للجهدين الفني والميداني ، من معالجة ٨٥ حالة منها حتى الآن”.
قانون متخصص… ضرورة مُلِحّة
غياب قانون متخصص بمكافحة ظاهرة الابتزاز الإلكتروني يعقّد عمليات الملاحقة القانونية للمبتزين بحسب القائمين على الحملة، وهو ما دفع السلطات الأمنية إلى اعتماد قانون العقوبات العراقي المشرع عام 1969 لتنفيذ عمليات المتابعة والاعتقال.
كما ذهبت المحاكم باتجاه تكييف المواد القانونية لمكافحة الظاهرة، في وقت تتصاعد المطالب بتشريع قانون خاص يستجيب للمشاكل التي تواجه المجتمع العراقي.
ونظرا لهذا الواقع، توضح الضحية الشابة أ. ب أنها مهددة بـ”القتل” في حال عادت إلى المنزل، والتشرد والضياع حال البقاء في الشارع.
وأكدت أنها تعيش حاليا في منزل آمن لضحايا العنف المنزلي، خاصة وأنها لم تجد حلا لمشكلتها المعقدة سوى بمحاولة الانتحار.
من جهته، يشير المستشار القانوني في مجلس النواب العراقي، عقيل الرديني في تصريحات صحفية ، إلى أن “تشريع قانون مختص بات ملّحا”، موضحا أنه “من أجل مواكبة التطور الحاصل في العالم وما يحدث في مواقع التواصل الاجتماعي يجب تقديم مشروع قانون بهذا الاتجاه”.
ويضع خبراء التقنية ومسؤولو فرق مكافحة الابتزاز الإلكتروني حلول عدة لتجنب الوقوع فيه، من بينها المعرفة البسيطة على الأقل بتقنيات استخدام الهواتف، وتأمين الحسابات كل ٣ أشهر، والابتعاد عن إرسال الصور ومقاطع الفيديو لأي كان.
“الابتزاز يستشري”… آلاف الضحايا سنويًا
في العام 2022، سجّل العراق، وفق إحصاءات مديرية الشرطة المجتمعية في وزارة الداخلية، 1950 حالة ابتزاز إلكتروني، معظم ضحاياه من النساء، من بينهن فتيات في سن المراهقة وأطفال دون سن 14 عاما.
ئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي، أكد أن العديد من الفتيات والنساء والأحداث كانوا ضحية الابتزاز الإلكتروني عام 2023 بزيادة ملحوظة عن الأرقام المسجلة في عام 2022.
وأضاف الغراوي في بيان أن “صور الابتزاز تنوعت بالحصول على منافع مادية أو جسدية من الضحايا من خلال تشويه سمعتهم وفضحهم في وسائل التواصل الاجتماعي، واختراق حساباتهم وأرقامهم”.
يوضح رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان أنّ “العديد من الفتيات حاولن الانتحار بدلا من الفضيحة نتيجة الابتزاز من قبل عصابات وأفراد من داخل العراق وخارجه”.
وزارة الداخلية العراقية كانت قد أعلنت عن تقديم الدعم النفسي لأكثر من 9 آلاف ضحية من ضحايا الابتزاز والعنف الأسري والهروب خلال العام 2023.
وسبق أن أكدت الوزارة في سبتمبر العام الماضي عن “تصاعد كبير” في جرائم الابتزاز الإلكتروني، معتبرة أنها باتت تهدّد نسيج المجتمع العراقي.
إعلنت وزارة الداخلية مؤخرا عن إصدار القضاء عقوبات رادعة بحق متورطين بجرائم ابتزاز إلكتروني، والتي تسببت بعشرات حالات الانتحار والطلاق، مؤكدة أنها تعمل ضمن خطط خاصة للحد من تلك الجرائم والإطاحة بمرتكبيها.