الأمراض المعدية مسؤولة عن 17% من الوفيات في العراق والحمى النزفية تستوطن فيه

تحقيق صحي – عابر

يُعد العراق من بين بلدان شرق المتوسط التي تستوطنها حمى القرم-الكونغو النزفية. وقد تم التبليغ عن هذه الحمى لأول مرة في البلاد عام 1979، عندما شُخّصت إصابة عشرة أشخاص بالمرض.

ومنذ ذلك الحين، أُبلغ عن ست حالات بين عامي 1989 و2009، و11 حالة في عام 2010، كما سُجلت ثلاث حالات وفاة في عام 2018. وفي الآونة الأخيرة، تم الإبلاغ عن 33 حالة مؤكدة، من بينها 13 حالة وفاة، بنسبة إماتة بلغت 39% خلال عام 2021.

تُعتبر تربية الأغنام والماشية شائعة جدًا في العراق، وقد أظهرت بعض الدراسات أن هذه الحيوانات موبوءة بمختلف أنواع القُراد، ولا سيما القراد الزجاجي العين (هيالوما)، وهو الناقل الرئيسي للحمى النزفية.

ويتم علاج الإصابات البشرية بشكل أساسي من خلال الرعاية الداعمة العامة، كما استُخدم دواء “ريبافيرين” المضاد للفيروسات، سواء عن طريق الفم أو الحقن الوريدي، في معالجة حالات العدوى بالحمى النزفية.

احصائية تبين نسب الاصابة بالحمى النزفية في العراق مابين 1979-2021

انتشار الحمى النزفية في الشرق الأوسط

شهدت أكثر من 12 دولة في الشرق الأوسط مؤخرًا انتشارًا واسعًا للحمى الصفراء، وحمى الوادي المتصدع، وحمى الضنك الوخيمة، وحمى القرم-الكونغو النزفية، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية.

وتوضح المنظمة أن انتقال هذه الفيروسات يتم من خلال التلامس المباشر مع المرضى المصابين، وضعف إجراءات مكافحة العدوى في المستشفيات، والممارسات غير الصحية في الذبح، واستهلاك اللحوم النيئة أو الحليب غير المبستر، إضافة إلى التلامس المباشر مع القوارض أو استنشاق مواد ملوثة بفضلاتها، ولدغات البعوض أو القراد.

توطن المرض أم تفشي وبائي؟

يعتقد جواد الديوان، أستاذ علم الأوبئة في جامعة بغداد، أن الحمى النزفية باتت متوطنة في العراق، وأن ما يحدث حاليًا هو تفشٍ وبائي للمرض. لكنه يستدرك قائلًا: “إن النظام الصحي في البلاد قادر على مواجهة هذا التحدي، خاصة وأن الجهات المعنية تمتلك الأدوات اللازمة لمكافحة مثل هذه الفيروسات”.

ويُحمّل الديوان المواطنين مسؤولية انتشار الفيروس، مشيرًا إلى أن “زيادة تربية الحيوانات داخل الأحياء السكنية دون رقابة ساهمت في تفشي الوباء بهذا الشكل”.

ويؤكد أن “الوقاية من الحمى النزفية تعتمد على وعي المجتمع، والتخلي عن ممارسات الذبح العشوائي، والالتزام بالتعليمات الخاصة بتربية الحيوانات وذبحها في المجازر الرسمية”.

طرق انتقال العدوى

ينتقل المرض من الإنسان المصاب إلى السليم بطرق عدة، منها:

  1. التلامس المباشر مع المريض دون ارتداء ملابس واقية، كما هو الحال خلال جائحة كورونا.
  2. انتقال الفيروس عبر سوائل الجسم، مثل اللعاب، البول، البراز، والدم.
  3. ملامسة المصاب أو التعامل مع سوائله دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة.

دور القراد في نقل المرض

وفقًا للمختصين، ينتقل المرض عبر حشرة القراد التي تعيش متطفلة على الماشية وفي أماكن تربيتها. ويلتقط الإنسان المرض عند لدغه مباشرة من قبل القراد، أو عند ملامسة حيوان مصاب دون ارتداء ملابس واقية.

كما ينتقل المرض عند التعامل مع سوائل الحيوانات المصابة خلال الذبح، وكذلك عبر سوائل الإنسان المصاب. وتُسجل أغلب الإصابات في وسط وجنوب العراق، ولا سيما في محافظة ذي قار.

ويرجع السبب في انتشار المرض إلى التغيرات البيئية التي أدت إلى ظهور القراد خارج مواسمه المعتادة، ففي العامين الماضيين، شوهدت الحشرة حتى في شهري كانون الثاني وشباط، بينما كان ظهورها يقتصر سابقًا على شهري حزيران وتموز.

ضعف إجراءات المكافحة

يحمل ثامر الربيعي، الطبيب البيطري وخبير الوبائيات، الجهات الحكومية المسؤولية عن انتشار المرض، بسبب عدم مكافحتها حشرة القراد بشكل فعال خلال مراحلها المبكرة في فصل الربيع.

كما ينتقد الربيعي ضعف الرقابة على عمليات الذبح خارج المجازر الرسمية، وعدم فرض عقوبات صارمة على المخالفين الذين يذبحون الماشية داخل الأحياء السكنية.

ويحذر من خطورة المرض، إذ قد يؤدي إلى الوفاة إذا ما وصل المريض إلى مرحلة النزف من فتحات جسمه، مشيرًا إلى أن “عدم توفر لقاح أو علاج محدد حتى الآن يزيد من خطورته، ما يستوجب مراجعة الطبيب فور الشعور بالأعراض”.

كما يُحمّل حازم البدري، عضو نقابة البيطريين العراقيين، وزارتي الصحة والزراعة مسؤولية تفشي المرض، نظرًا “لإهمالهما الإجراءات الوقائية في مختلف المحافظات”.

ويضيف: “انتشار الجزر العشوائي، وساحات بيع المواشي، ووجود حظائر داخل المدن دون رقابة قانونية صارمة، يؤدي إلى استمرار تسجيل الإصابات وزيادتها”.

تحذيرات منظمة الصحة العالمية

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، ترتبط الحمى النزفية الفيروسية في إقليم شرق المتوسط بأمراض مثل الحمى الصفراء، وحمى الوادي المتصدع، وحمى الضنك، وحمى القرم-الكونغو النزفية، ومرض فيروس الإيبولا.

وتحذر المنظمة من أن الحمى النزفية الفيروسية قد تتسبب في أوبئة كبرى ذات معدلات وفيات مرتفعة، نظرًا لعدم توفر لقاحات أو علاجات محددة لها، باستثناء الحمى الصفراء.

كما أن غياب التشخيص المختبري في الوقت المناسب، وضعف إجراءات مكافحة العدوى في المرافق الصحية، وعدم كفاءة برامج مكافحة نواقل المرض، كلها عوامل قد تؤدي إلى استمرار تفشي الحمى النزفية.

ووفقًا لأحدث إحصاءات وزارة الصحة والبيئة العراقية، فإن الأمراض السارية مسؤولة عن 17% من إجمالي الوفيات في العراق، مما يجعلها ثاني أكبر سبب للوفيات في البلاد.